للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الأمر على خلافه فلا ضرر فيه البتة، أما إذا أنكر الصانع والتكليف والجزاء وكانت هذه الأمور في الخارج ثابتة حقة ففي إنكارها أعظم المضار، فيلزم على العاقل أن يعترف بهذه الأمور أخذا بالأحوط.

ثم إن الرسل بعد التنبيه على وجود الصانع ذكروا فائدة الدعوة وغايتها وذلك ثنتان:

الأولى قوله: يَدْعُوكُمْ أي إلى الإيمان لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ استدل بالآية من جوّز زيادة «من» في الإثبات وذلك لقوله تعالى في موضع آخر: إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً [الزمر: ٥٣] . وأجيب بأنه لا يلزم من غفران جميع الذنوب لأمة محمد صلى الله عليه وسلم غفران جميع الذنوب لغيرهم، فالوجه أن تكون «من» للتبعيض تمييزا بين الفريقين، ويؤيد ما ذكرنا استقراء الآيات فإنها ما جاءت في خطاب الكافرين إلا مقرونة ب «من» كما في هذه الآية، وفي سورة نوح وسورة الأحقاف. وقال في خطاب المؤمنين في سورة الصف يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [الآية: ١٢] بغير «من» . وقيل: أراد أن يغفر لهم ما بينهم وبين الله بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم. وقيل: «من» للبدل أي لتكون المغفرة بدلا من الذنوب.

وضعف بأنه لم يوجد له في اللغة نظير. وعن الأصم: أنه أراد إذا تبتم يغفر لكم بعض الذنوب التي هي الكبائر. فأما الصغائر فلا حاجة إلى غفرانها لأنها في أنفسها مغفورة.

وزيفه القاضي بأن الصغيرة إنما تكون مغفورة من الموحدين حيث يزيد ثوابهم على عقابهم، فأما من لا ثواب له أصلا فلا يكون شيء من ذنوبه صغيرا ولا كبيرا مغفورا.

وقيل: المراد أن الكافر قد ينسى بعض ذنوبه في حال توبته وإيمانه فلا يكون المغفور منها إلا ما ذكره وتاب منه. وقال الإمام فخر الدين الرازي: في الآية دلالة على أنه تعالى قد يغفر ذنب أهل الإيمان من غير توبة لأنه وعد بغفران بعض الذنوب مطلقا من غير اشتراط التوبة، وذلك البعض ليس هو الكفر لانعقاد الإجماع على أنه تعالى لا يغفر الكفر إلا بالتوبة عنه والدخول في الإيمان، فوجب أن يكون ذلك البعض هو ما عدا الكفر من الذنوب. ولقائل أن يقول: لا نسلم أنه لم يشترط التوبة في الآية، لأن قوله: يَدْعُوكُمْ أي إلى الإيمان معناه آمنوا ليغفر لكم فكأنه قيل: إن الإيمان شرط غفران بعض الذنب فلم لا يجوز أن يكون ذلك البعض هو الكفر؟. الغاية الثانية قوله: وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى عن ابن عباس: أي يمتعكم في الدنيا باللذات والطيبات إلى الموت الطبيعي وإلا عاجلكم بعذاب الاستئصال. وقد مر تحقيق الأجل في أوّل «الأنعام» .

ثم شرع في حكاية شبه الكفار وأنها ثلاث: الأولى قولهم: إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا وذلك لاعتقادهم أن الأشخاص الإنسانية متساوية في تمام الماهية، فيمتنع أن يبلغ التفاوت

<<  <  ج: ص:  >  >>