للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقام مصدر أي خاف قيامي عليه بالحفظ والمراقبة كقوله: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ [الرعد: ٣٣] أو قيامي بالعدل والصواب مثل قائِماً بِالْقِسْطِ [آل عمران: ١٨] أو المقام مقحم أي خافني مثل سلام الله على المجلس العالي. وَخافَ وَعِيدِ قال الواحدي: هو اسم من الإيعاد وهو التهديد. قال المحققون: إن الخوف من الله مغاير للخوف من وعيد الله كما أن حب الله مغاير لحب ثواب الله، وهذه فائدة عطف أحد الخوفين على الآخر. قوله: وَاسْتَفْتَحُوا الضمير إما للرسل والمعنى استنصروا الله على أعدائهم أو استحكموا الله وسألوه القضاء بينهم من الفتاحة وهي الحكومة، وإما للكفرة بناء على ظنهم أنهم على الحق والرسل على الباطل. وعلى الأول يكون في الكلام إضمار التقدير: فنصروا وفازوا بالمقصود. وَخابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ معاند. وأصل العنود الميل من العند الناحية والجانب كأن كلا من المتعاندين في جانب آخر. قيل: الجبار وهو المتكبر إشارة إلى أن فيه خلق الاستكبار، والعنيد إشارة إلى الأثر الصادر عن ذلك الخلق وهو كونه مجانبا للحق منحرفا عنه وأصل الكلام على الأول: واستفتح الرسل وخاب الكفرة، وعلى الثاني: استفتحوا وخابوا. فوضع الأعم موضع الأخص. والظاهر مقام الضمير تنصيصا على الكفرة بأن سبب خيبتهم عن السعادة الحقيقية تجبرهم وعنادهم مِنْ وَرائِهِ أي من بين يديه. يقال: الموت وراء كل أحد. وذلك أن قدام وخلف كلاهما متوار عن الشخص فصح إطلاق لفظ وراء على كل واحد منهما. وقال أبو عبيدة: هو من الأضداد لأن أحدهما ينقلب إلى الآخر. وهذا وصف حاله في الدنيا أو في الآخرة حين يبعث ويوقف. قال جار الله: قوله: وَيُسْقى معطوف على محذوف تقديره يلقى في جهنم ما يلقى وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ أي من ماء بيانه أو صفته هذا. والصديد ما يسيل من جلود أهل النار واشتقاقه من الصد لأنه يصد الناظر عن رؤيته أو تناوله. وقيل: يخلق الله في جهنم ما يشبه الصديد في النتن والغلظ والقذارة. يَتَجَرَّعُهُ يتكلف جرعه وَلا يَكادُ يُسِيغُهُ أي لم يقارب الإساغة فضلا عن الإساغة قيل: ليس المراد بالإساغة مجرد حصول المشروب في الجوف لأن هذا المعنى حاصل لأهل النار بدليل قوله: يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ [الحج: ٢٠] وإنما المراد جريان المشروب في الحلق في الاستطابة وقبول النفس لا بالكراهية والتأذي. قلت: يحتمل أن يراد بالإساغة مجرد الحصول، والآية- أعني قوله: ويصهر- لا تدل على الحصول لقوله قبله: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ [الحج: ١٩] . وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ من جسده حتى من إبهام رجله.

وقيل: من أصل كل شعرة. وقيل: المراد أن موجبات الموت أحاطت به من جميع الجهات ومع ذلك فإنه لا يموت فيها ولا يحيا. ثم أخبر- والعياذ بالله- أن العذاب في كل

<<  <  ج: ص:  >  >>