للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى إنسان أول ضرورة امتناع القول بوجود حوادث لا أول لها. وقد أجمع المفسرون على أنه آدم عليه السلام، ورأيت في كتب الشيعة عن محمد بن علي الباقر رضي الله عنه أنه قد انقضى قبل آدم الذي هو أبونا ألف ألف آدم أو أكثر، وكيف كان فلا بد من إنسان هو أول الناس. والأقرب أنه تعالى خلق آدم من تراب ثم من طين ثم من حمإ مسنون ثم من صلصال كالفخار. وقد كان قادرا على خلقه من أيّ جنس من الأجسام كان، بل كان قادرا على خلقه ابتداء. وإنما خلقه على هذا الترتيب لمحض المشيئة، أو لما كان فيه من زلة الملائكة والجن، أو لغير ذلك من المصالح، ولا شك أن خلق الإنسان من هذه الأمور أعجب من خلق الشيء من شكله وجنسه، والصلصال الطين اليابس الذي يصلصل أي يصوّت وهو غير مطبوخ فإذا طبخ فهو فخار. وقيل: هو تضعيف صل إذا أنتن. والحمأ الأسود المتغير من الطين، وكذلك الحمأة بالتسكين. والمسنون المصوّر من سنة الوجه أي صورته قاله سيبويه. وقال أبو عبيدة: المسنون المصبوب المفرغ أي أفرغ صورة إنسان كما تفرغ الصورة من الجواهر المذابة. وقال ابن السكيت: سمعت أبا عمرو يقول: معناه متغير منتن وكأنه من سننت الحجر على الحجر إذا حككته به فالذي يسيل منهما سنين ولا يكون إلا منتنا. قال في الكشاف: قوله: مِنْ حَمَإٍ صفة صلصال أي خلقه من صلصال كائن من حمإ. قلت: ولا يعبد أن يكون بدلا أي خلقه من حما. قال: وحق مسنون بمعنى مصوّر أن يكون صفة لصلصال كأنه أفرغ الحمأ فصوّر منها تمثال إنسان أجوف فيبس حتى إذا نقر صلصل، ثم غيره بعد ذلك إلى جوهر آخر. قوله: وَالْجَانَّ قال الحسن ومقاتل وقتادة وهو رواية عطاء عن ابن عباس يريد إبليس. - وعن ابن عباس- في رواية أخرى: هو أبو الجن كآدم أبي الناس وهو قول الأكثرين. والتركيب يدل على السبق والتواري عن الأعين وقد مر فيما سلف ولا سيما في تفسير الاستعاذة في أول الكتاب خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ قال ابن عباس: أي من قبل خلق آدم والسَّمُومِ الريح الحارة النافذة في المسام تكون في النهار وقد تكون بالليل. ومسام البدن الخروق الخفية التي يبرز منها العرق وبخار الباطن، ولا شك أن تلك الريح فيها نار ولها لفح على ما ورد في الخبر أنه لفح جهنم. قال ابن مسعود: هذه السموم جزءا من سبعين جزءا من سموم النار التي خلق الله منها الجان. ولا استبعاد في خلق الله الحيوان من النار فإنا نشاهد السمندل قد يتولد فيها. وعلى قاعدة الحكيم: كل ممتزج من العناصر فإنه يمكن أن يغلب عليه أحدها، وحينئذ يكون مكانه مكان الجزء الغالب والحرارة مقوية للروح لا مضادة لها. ثم إنه لما استدل بحدوث الإنسان الأول على كونه قادرا مختارا ذكر بعده واقعته. والمراد بكونه بشرا أنه يكون جسما كثيفا يباشر ويلاقي، والملائكة والجن لا يباشرون للطافة أجسامهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>