للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والبشرة ظاهر الجلد من كل حيوان. فَإِذا سَوَّيْتُهُ عدلت خلقته وأكملتها أو سويت أجزاء بدنه بتعديل الأركان والأخلاط والمزاج التابع لذلك اعتدالا نوعيا أو شخصيا.

وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي النفخ إجراء الريح في تجاويف جسم آخر. فمن زعم أن الروح جسم لطيف كالهواء سار في البدن فمعناه ظاهر، ومن قال إنه جوهر مجرد غير متحيز ولا حال في متحيز فمعنى النفخ عنده تهيئة البدن لأجل تعلق النفس الناطقة به. قال جار الله:

ليس ثم نفخ ولا منفوخ وإنما هو تمثيل لتحصيل ما يحيا به فيه. وتمام الكلام في الروح سوف يجيء إن شاء الله في قوله: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ [الإسراء: ٨٥] . ولا خلاف في أن الإضافة في قوله: رُوحِي للتشريف والتكريم مثل «ناقة الله» و «بيت الله» .

والفاء في قوله: فَقَعُوا تدل على أن وقوعهم في السجود كان واجبا عليهم عقيب التسوية والنفخ من غير تراخ. قال المبرد: قوله كُلُّهُمْ أزال احتمال أن بعض الملائكة لم يسجدوا. وقوله: أَجْمَعُونَ أزال احتمال أنهم سجدوا متفرقين، وقال سيبويه والخليل أَجْمَعُونَ توكيد بعد توكيد، ورجح الزجاج هذا القول لأن أجمع معرفة فلا يقع حالا، ولو صح أن يكون حالا وكان منتصبا لأفاد المعنى الذي ذكره المبرد. ثم استثنى إبليس من الملائكة وقد سلف وجه الاستثناء في أول سورة البقرة. ثم استأنف على تقدير سؤال سائل هل سجد؟ فقال: أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ يعني إباء استكبار.

ثم قال سبحانه وتعالى خطاب تقريع وتعنيف لا تعظيم وتشريف يا إِبْلِيسُ ما لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ وقال بعض المتكلمين: خاطبه على لسان بعض رسله لأن تكليم الله بلا واسطة منصب شريف فكيف يناله اللعين؟ قال جار الله: حرف الجر مع أن محذوف ومعناه أيّ غرض لك في الامتناع من السجود قالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ اللام لتأكيد النفي أي لا يصح مني وينافي حالي أن أسجد لِبَشَرٍ وحاصل شبهة اللعين أنه روحاني لطيف وآدم جسماني كثيف، وأصله نوراني شريف وأصل آدم ظلماني خسيس، فعارض النص بالقياس فلا جرم أجيب بقوله: فَاخْرُجْ مِنْها أي من الجنة أو من السماء أو من جملة الملائكة.

وضرب يوم الدين أي يوم الجزاء حدا للعنة جريا على عادة العرب في التأبيد كما في قوله: ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ [هود: ١٠٧] أو أراد اللعن المجرد من غير تعذيب حتى إذا جاء ذلك اليوم عذب بما ينسى اللعن معه. قال صاحب الكشاف: وأقول: هذا إن أريد باللعن مجرد الطرد عن الحضرة. أما إن أريد به الإبعاد عن كل خير فيتعين الوجه الأول إلا عند من أثبت لإبليس رجاء العفو. وإنما ذكر اللعنة هاهنا بلام الجنس لأنه ذكر آدم بلفظ الجنس حيث قال: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً ولما خصص آدم بالإضافة إلى نفسه في

<<  <  ج: ص:  >  >>