سورة «ص» حيث قال: لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [الآية: ٧٥] خصص اللعنة أيضا بالإضافة فقال: وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ فافهم. قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي قد مر مثله في أول «الأعراف» .
ومعنى الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ أن إبليس لما عينه وأشار إليه بعينه صار كالمعلوم والمراد منه الوقت القريب من البعث الذي يموت فيه الخلائق كلهم ليشمل الموت اللعين أيضا.
وقيل: لم يجب إلى ذلك وأنظر إلى يوم لا يعلمه إلا الله قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي قد مر مباحثه في «الأعراف» . ومفعول لَأُزَيِّنَنَّ محذوف أي أزين لهم المعاصي في الأرض أي في الدنيا التي هي دار الغرور، أو أراد أنه قدر على الاحتيال لآدم وهو في السماء فهو على التزيين لأولاده وهم في الأرض أقدر، أو أراد لأجعلن مكان التزيين عندهم الأرض بأن أزين الأرض في أعينهم وأحدثهم أن الزينة هي في الأرض وحدها كقوله:
وإن يعتذر بالمحل من ذي ضروعها ... من الضيف يجرح في عراقيبها نصلي
أراد يجرح عراقيبها نصلي ثم استثنى اللعين عباد الله المخلصين لأنه علم أن كيده لا يؤثر فيهم. قال بعض الحذاق: احترز إبليس بهذا الاستثناء من الكذب فيعلم منه أن الكذب في غاية السماحة والإخلاص فعل الشيء خالصا لله من غير شائبة الغير لا أقل من أن يكون حق الله فيه راجحا أو مساويا. ولما ذكر إبليس من الاستثناء ما ذكر قالَ الله سبحانه هذا يعني الإخلاص طريق مستقيم عليّ أن أراعيه أو عليّ مروره أي على رضواني وكرامتي. وقيل: لما ذكر اللعين أنه يغوي بني آدم إلا من عصمه الله بتوفيقه تضمن هذا الكلام تفويض الأمور إلى مشيئته تعالى فأشير إليه بقول: هذا أي تفويض الأمور إلى إرادتي ومشيئتي. صِراطٌ عَلَيَّ تقريره وتأكيده. ومن قرأ عَلَيَّ بالتنوين فهو من علو الشرف أي الإخلاص أو طريق التفويض إلى الله والإيمان بقضائه طريق رفيع.
مُسْتَقِيمٌ لا عوج له. وقال جار الله: هذا إشارة إلى ما بعده وهو قوله: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ قال الكلبي: المذكورون في هذه الآية هم الذين استثناهم إبليس وذلك أنه لما ذكر إِلَّا عِبادَكَ بين به أنه لا يقدر على إغواء المخلصين فصدقه الله تعالى في الاستثناء قائلا إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ أي ولكن من اتبعك من الغواة فلك تسلط عليهم وهذا يناسب أصول الأشاعرة. وقال آخرون: هذا تكذيب لإبليس وذلك أنه أوهم بما ذكر أن له سلطانا على عباد الله الذين لا يكونون من المخلصين فبين تعالى أنه ليس له على أحد منهم سلطان ولا قدرة أصلا إلا الغواة، لا بسبب الجبر والقسر بل من جهة الوسوسة والتزيين نظيره قوله: وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ
[إبراهيم: ٢٢] وهذا يناسب أصول الاعتزال وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ