للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالنسبة إلى الرسول وإرادة التأمل والتفكر في المبدإ والمعاد بالإضافة إلى المكلفين. وفي ظاهر هذا النص دلالة على أن القرآن كله مجمل، ومن هنا ذهب بعضهم إلى أنه متى وقع التعارض بين القرآن والخبر وجب تقديم الخبر لأن القرآن مجمل والخبر مبين له. وأجيب بمنع الكلية فمن القرآن ما هو محكم، وقوله: لِتُبَيِّنَ محمول على المتشابهات المجملات. قال بعض من نفى القياس: لو كان القياس حجة لما وجب على الرسول أن يبين للمكلفين ما أنزل الله عليه من الأحكام بل كان له أن يفوض بعضها إلى رأي القائس، وأجيب بأنه لما بيّن أن القياس من جملة الحجج فالقياس أيضا راجع إلى بيان الرسول.

ثم لما ذكر شبهات المنكرين مع أجوبتها شرع في التهديد والوعيد والإنذار والتنبيه فقال أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أي المكرات السيئات أراد أهل مكة ومن حول المدينة. قال الكلبي: عنى بهذا المكر اشتغالهم بعبادة غير الله، والأقرب أن المراد سعيهم في إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم وإيذاء أصحابه على سبيل الخفية أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ كما خسف بقارون أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ أو ملائكة العذاب من السماء مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ كما فعل بقوم لوط أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ فائتين الله، وذكر المفسرون في هذا التقلب وجوها منها: أنه تعالى يأخذهم في أسفارهم ومتاجرهم فإنه قادر على أن يهلكهم في السفر كما أنه قادر على أن يهلكهم في الحضر وهم لا يفوتون الله بسبب ضربهم في البلاد البعيدة. ومنها أنه يأخذهم بالليل والنهار في أحوال إقبالهم وإدبارهم وذهابهم ومجيئهم، وحقيقته في حال تصرفهم في الأمور التي يتصرف فيها أمثالهم. ومنها أنه أراد في حال ما يتقلبون في قضاء أوطارهم بوجوه الحيل فيحول الله بينهم وبين مقاصدهم وحيلهم. والتقلب بالمعنى الأوّل مأخوذ من قوله: لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ [آل عمران: ١٩٦] وبالمعنى الثالث من قرأ وَقَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ [التوبة: ٤٨] . أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ على حالة تخوفهم وتوقعهم للبلاء بأن يكون قد أهلك قوما قبلهم فكان أثر الخوف باقيا فيهم ظاهرا عليهم فهو خلاف قوله: مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ وقيل: التخوف التنقص والمعنى أنه يأخذهم بطريق النقص شيئا بعد شيء في ديارهم وأموالهم وأنفسهم حتى يأتي الفناء على الكل. عن عمر أنه قال على المنبر: ما تقولون فيها؟ فسكتوا: فقام شيخ من هذيل فقال: هذه لغتنا التخوف التنقص فقال: فهل تعرف العرب ذلك في أشعارها؟ قال: نعم قال شاعرنا زهير:

تخوّف الرحل منها تامكا قردا ... كما تخوف عود النبعة السفن

<<  <  ج: ص:  >  >>