قوله تامكا قردا أي سناما مرتفعا متراكما، والسفن ما ينحت به الشيء ومنه السفينة لأنها تسفن وجه الماء بالمر في البحر. فقال عمر: أيها الناس عليكم بديوانكم. قالوا:
وما ديواننا؟ قال: شعر الجاهلية فإن فيه تفسير كتابكم. ثم ختم الآية بقوله: فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ فذهب المفسرون إلى أن معناه أن يمهل في أكثر الأمر لأنه رءوف رحيم فلا يعجل بالعذاب. وأقول: يحتمل أن يكون قوله «فإنه» تعليلا لقوله أَفَأَمِنَ كقوله:
ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار: ٦] .
ولما خوف الماكرين بما خوف أتبعه ذكر ما يدل على كمال قدرته في تدبير أحوال العالم العلوي والسفلي وسكانهما فقال أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللَّهُ قال جار الله:«ما» مبهمة بيانه مِنْ شَيْءٍ وقال أهل المعاني: قوله: يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ إخبار عن شيء وليس بوصف له. ويتفيأ «يتفعل» من الفيء وأصله الرجوع ومنه فيئة المولى. وقال الأزهري:
تفيؤ الظلال رجوعها بعد انتصاب النهار. فالتفيؤ لا يكون إلا بالعشيّ، وما انصرف عنه الشمس والقمر والذي يكون بالغداة ظل. وقال ثعلب: أخبرت عن أبي عبيدة أن رؤبة قال: كل ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فهو فيء وظل، وما لم يكن عليه الشمس فهو ظل. وقوله: ظِلالُهُ أضاف الظلال إلى مفرد ومعناه الإضافة إلى ذوي الظلال ووجه حسنه كون المرجوع إليه واحدا في اللفظ وإن كان كثيرا في المعنى وهو قوله: إِلى ما خَلَقَ نظيره لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ [الزخرف: ١٣] أضاف الظهور- وهو جمع- إلى ضمير مفرد لأنه يعود إلى واحد أريد به الكثرة وهو ما تركبون. قال الجوهري: تفيأت الظلال أي تقلبت. وقوله عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ قال أهل التفسير ومنهم الفراء: إنه وحد اليمين لأنه أراد واحدا من ذوات الأظلال، وجمع الشمائل لأنه أراد كلها لأن قوله ما خَلَقَ اللَّهُ لفظ مفرد ومعناه جمع، وقيل: إن العرب إذا ذكرت صيغتي جمع عبرت عن إحداهما بلفظ الواحد كقوله وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ [الأنعام: ١] خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ [الأنعام: ٤٦] وقيل: المراد باليمين النقطة التي هي مشرق الشمس وإنها واحدة، والشمائل عبارة عن الانحراف الواقع في تلك الأظلال بعد وقوعها على الأرض وهي كثيرة. وإنما عبر عن المشرق باليمين لأن أقوى جانبي الإنسان يمينه ومنه تظهر الحركة القوية، وكذا جانب الشرق أقوى جوانب الفلك ومنه تظهر الحركة اليومية التي هي أسرع الحركات وأقواها. ويمكن أن يقال: إن الإنسان إذا توجه إلى الشرق الذي هو أولى الجوانب بالاعتبار لشرفه كان الجنوب يمينه والشمال شماله، ولا ريب أن وصول الشمس إلى فلك نصف النهار يختلف بحسب البلاد. وقد يتفق انتقالها من