للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ترجيحا من حيث إنه روعي جانب المستعار له فازداد الكلام وضوحا. وقيل: إن أصل الذوق بالفم ثم قد يستعار فيوضع موضع التعرّف والاختبار فتقول: أناظر فلانا فأذوق ما عنده:

ومن يذق الدنيا فإني طعمتها ... وسيق إلينا عذبها وعذابها

فمعنى ذقت لباس الجوع والخوف على فلان تعرفت ما ظهر عليه من الضمور وشحوبة اللون وتغير الحال وكسوف البال. ففحوى الآية عرفها الله أثر لباس الجوع.

وقيل: حمل اللباس على المماسة والتقدير فأذاقها الله مساس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون. قال ابن عباس: يريد بفعلهم بالنبي صلى الله عليه وسلم من التكذيب والهم بقتله والإخراج من مكة. قال الفراء: كل الصفات أجريت على القرية إلا قوله: يَصْنَعُونَ تنبيها على أن المراد في الحقيقة أهلها.

ولما ذكر المثل ذكر الممثل فقال: وَلَقَدْ جاءَهُمْ يعني أهل مكة رَسُولٌ مِنْهُمْ من أنفسهم يعرفونه بأصله ونسبه فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ متلبسون بالظلم. قال ابن عباس: يعني بالعذاب الجوع الذي كان بمكة. وقيل: القتل يوم بدر. وقيل: إن قول ابن عباس أولى. والمراد أن ذلك الجوع بسبب كفركم فاتركوا الكفر. فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ من الغنائم. فأكل الغنائم مسبب عن ترك الكفر فلذلك وصله بالفاء. وقال الكلبي:

إن رؤساء مكة كلموا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جهدوا وقالوا: عاديت الرجال فما بال النساء والصبيان؟ وكانت الميرة قد قطعت عنهم بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فأذن في الحمل فحمل الطعام إليهم فذلك قوله: فَكُلُوا. ورجح قول ابن عباس بأنه تعالى قال بعد ذلك: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ فالمراد أنكم لما آمنتم وتركتم الكفر فكلوا الحلال الطيب- وهو الغنيمة- واتركوا الخبائث- وهو الميتة والدم- أو أنه سبحانه أعاد تحريم هذه الأشياء في «البقرة» وفي «المائدة» و «الأنعام» وفي هذه السورة قطعا للأعذار وإزالة للشبهة. ثم زيف طريقة الكفار في الزيادة على هذه المحرمات كالبحيرة والسائبة، وفي النقصان عنها كتحليل الميتة والدم فقال: وَلا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ قال الكسائي والزجاج «ما» مصدرية وانتصاب الْكَذِبَ ب لا تَقُولُوا أي ولا تقولوا الكذب لأجل وصف ألسنتكم. وقوله: هذا حَلالٌ وَهذا حَرامٌ بدل من الكذب ولك أن تنصب الْكَذِبَ ب تَصِفُ وتجعل «ما» مصدرية أيضا أي ولا تقولوا هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب. ومعناه لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول تنطق به ألسنتكم من غير حجة ودليل. ويجوز أن تكون «ما» موصولة أي ولا تقولوا للذي تصف ألسنتكم الكذب فيه هذا

<<  <  ج: ص:  >  >>