للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حلال وهذا حرام، فحذف لفظ فيه لكونه معلوما. وقوله: تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ من فصيح الكلام وبليغه كأن ماهية الكذب مجهولة وكلامهم يكشف عن حقيقته نظيره قولهم:

«وجهه يصف الجمال وعينه تصف السحر» . واللام في قوله: لِتَفْتَرُوا لام العاقبة لا الغرض. والمقصود من ذكره بيان أنه كذب على الله فإن قوله: لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ لم يكن فيه هذا البيان.

ثم أوعد المفترين بقوله: إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ الآية. وقوله: مَتاعٌ قال الزجاج:

أي متاعهم. وعن ابن عباس: أراد أن متاع كل الدنيا قليل. والمعنى أن منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية، أو أن نعيم الدنيا كلها يزول عنهم عما قريب ويبقى العقاب الدائم الأليم. ثم خص محرمات اليهود بالذكر فقال: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ يعني في سورة الأنعام عند قوله: وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ [الأنعام: ١٤٦] ثم قال: وَما ظَلَمْناهُمْ كقوله هناك: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ [الأنعام: ١٤٦] . ثم بين أن الافتراء على الله ومخالفة أمره لا يمنعهم من التوبة وحصول المغفرة والرحمة. وقوله: بِجَهالَةٍ في موضع الحال أي عملوا السوء جاهلين غير عارفين بالله وبعقابه أو غير متأملين في وخامة عاقبته لغلبة الشهوة عليهم. إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها من بعد تلك السيئة أو التوبة أو الجهالة. ولما بالغ في إبطال مذاهب المشركين وفي الجواب عن شبههم ومطاعنهم وكان إبراهيم صلى الله عليه وسلم رئيس الموحدين وقدوة أكابر النبيين ذكره الله تعالى في آخر هذه السورة قائلا: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً أي هو وحده أمة من الأمم لكماله في جميع صفات الخير:

ليس على الله بمستنكر ... أن يجمع العالم في واحد

وعن مجاهد: كان مؤمنا وحده والناس كلهم كفار فلهذا قيل: إنه أمة.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في زيد بن عمرو بن نفيل: يبعثه الله أمة وحده.

وعن شهر بن حوشب: لم يكن زمن إلا وفيه أربعة عشر يدفع بهم الله عن أهل الأرض إلا زمن إبراهيم فإنه وحده. وقيل: أمة بمعنى مأموم أي يؤمه الناس ليأخذوا منه أفعال الخير أو بمعنى مؤتم به كقوله: إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً [البقرة: ١٢٤] . وقيل: إنه من باب إطلاق المسبب على السبب لأنه حصل لأمته الامتياز عمن سواهم قانِتاً لِلَّهِ قائما بما يأمره الله.

وعن ابن عباس: مطيعا لله حَنِيفاً مائلا إلى ملة الإسلام ميلا لا يزول عنه. وقال ابن عباس: المراد أنه أول من اختتن وأقام مناسك الحج وضحى. وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قط لا في الصغر ولا في الكبر شاكِراً لِأَنْعُمِهِ وإن كانت قليلة فضلا عن النعم الكثيرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>