يروى أنه كان لا يتغدّى إلا مع ضيف فلم يجد ذات يوم ضيفا فأخلا غداءه فإذا هو بفوج من الملائكة في صورة البشر فدعاهم إلى الطعام فخيلوا له أن بهم جذاما فقال: الآن وجبت مؤاكلتكم شكرا لله على أنه عافاني وابتلاكم اجْتَباهُ اختصه واصطفاه للنبوّة وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ إلى ملة الإسلام وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً عن قتادة: هي أن الله تعالى حببه إلى أهل الأديان كلها. وقيل: الأموال والأولاد. وقيل: قول المصلي منا
«كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم»
وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ في أعلى مقاماتهم من الجنة تحقيقا لدعائه وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف: ١٠١] .
قال في الكشاف: معنى «ثم» في قوله: ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ تبعيد هذا النعت من بين سائر النعوت التي أثنى الله بها على إبراهيم، ليعلم أن أجل ما أوتي خليل الله اتباع نبينا ملته في الأصول من التوحيد والمعاد وغيرهما كاختيار يوم الجمعة للفراغ وترك العمل.
قال أهل النظم: كان لسائل أن يسأل: لم اختار اليهود السبت مع أن إبراهيم كان اختار الجمعة؟ فأجاب الله سبحانه بقوله: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ فاختاره بعضهم للفراغ واختار بعضهم الجمعة. روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أنه قال: أمرهم موسى بالجمعة وقال تفرغوا في كل سبعة أيام يوما واحدا فأبوا أن يقبلوا ذلك وقالوا: لا نريد إلا اليوم الذي فرغ الله فيه من الخلق وهو يوم السبت، فجعل عليهم السبت وشدد عليهم. ثم جاءهم عيسى بالجمعة أيضا فقالت النصارى: لا نريد أن يكون عيدهم بعد عيدنا فاتخذوا الأحد.
وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم:«إن الله كتب يوم الجمعة على من كان قبلنا فاختلفوا فيه وهدانا الله له فالناس لنا تبع اليهود غدا والنصارى بعد غد»«١» .
وقال صاحب الكشاف: السبت مصدر سبت اليهود إذا عظمت سبتها.
والمعنى إِنَّما جُعِلَ وبال السَّبْتُ وهو المسخ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ واختلافهم فيه أنهم أحلوا الصيد فيه تارة وحرموه تارة، وكان الواجب عليهم أن يتفقوا في تحريمه على كلمة واحدة. وضعف القول الأول بأن اليهود متفقون على تعيين يوم السبت للفراغة. ويمكن أن يقال: لعل فيهم من اختار الجمعة في قديم الدهر ثم وقع الاختلاف.
سؤال: النصارى يقولون: إن يوم الأحد مبتدأ الخلق، والتكوين على ما اتفق عليه أهل الملل أنه تعالى خلق العالم في ستة أيام أوّلها الأحد فجعله عيدا معقول. واليهود قالت:
(١) رواه البخاري في كتاب الجمعة باب: ١. مسلم في كتاب الجمعة حديث ١٩، ٢١. النسائي في كتاب الجمعة باب: ١. أحمد في مسنده (٢/ ٢٣٦) .