ارتد وكفر به. ومنها أن حديث المعراج الجسماني اشتمل على أشياء بعيدة عن العقل كشق بطنه وتطهيره بماء زمزم وركوب البراق وإيجاب خمسين صلاة، فإن ذلك يقتضي نسخ الحكم قبل حضور وقته، وأنه يوجب البداء.
أجاب الأكثرون عن الأول بأنه حركة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى فوق الفلك الأعظم لم يكن إلّا نصف قطر الفلك، ونسبة نصف القطر إلى نصف الدور نسبة الواحد إلى ثلاثة أمثال وسبع هي نصف حركة الفلك في يوم بليلته، وإذا كان الأكثر واقعا فالأقل بالإمكان أولى، ولو كان القول بمعراج محمد صلى الله عليه وسلم في ليلة واحدة ممتنعا لكان القول بنزول جبريل من العرش إلى مكة في لحظة واحدة ممتنعا، لأن الملائكة أيضا أجسام عند جمهور المسلمين، وكذا القول في حركات الجن والشياطين وقد سخر الله تعالى لسليمان الريح غدوّها شهر ورواحها شهر، وقد قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ [النمل: ٤٠] . وكان عرش بلقيس في أقصى اليمن وسليمان في الشام. وعلى قول من يقول إن الإبصار بخروج الشعاع فإنما ينتقل شعاع العين من البصر إلى الكواكب الثابتة في آن واحد، فيثبت أن المعراج أمر ممكن في نفسه. أقصى ما في الباب الاستبعاد وخرق العادة ولكنه ليس مخصوصا بهذه الصورة وإنما ذلك أمر حاصل في جميع المعجزات. وعن الثاني أن انخراق الأفلاك عند حكماء الإسلام جائز. وعن الثالث أن فائدة الإسراء قد عادت إليه حيث شاهد العالم العلوي والعرش والكرسي وما فيها وعليها فحصل في قلبه زيادة قوة وطمأنينة، بها انقطعت تعلقاته عن الكونين ولم يبق مشغول القلب بشيء من أمور الدنيا والآخرة. وعن الرابع أن العبد عبارة عن مجموع الروح والجسد. وعن الخامس أن تلك الرؤيا هي غير حكاية المعراج كما سيجيء في تفسيره، ولو سلم أنها هي المعراج فالرؤيا بمعنى الرؤية.
وعن السادس أنه لا اعتراض على الله تعالى في شيء من أفعاله وأنه على كل شيء قدير.
واعلم أنه ليس في الآية دلالة على العروج من بيت المقدس إلى السموات وإلى ما فوق العرش إلّا أنه ورد الحديث به. ومنهم من استدل على ذلك بأول سورة النجم أو بقوله لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ [الإنشقاق: ١٩] وتفسير هما مذكور في موضعه.
يروى أنه صلى الله عليه وسلم نائما في بيت أم هانىء بعد صلاة العشاء فأسري به ورجع من ليلته وقص القصة على أم هانىء وقال: مثل لي النبيون وصليت بهم. وقام ليخرج إلى المسجد فتشبثت أم هانىء بثوبه فقال: مالك؟ قالت: أخشى أن يكذبك قومك إن أخبرتهم قال: وإن كذبوني. فخرج فجلس إليه أبو جهل فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم