عن أبي علي الجانويه النائب من جنايته لوروده على أثره. ثم وصى بغير الأبوين من الأقارب بعد التوصية بهما فقال: وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ قيل: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يؤتى أقاربه الحقوق التي وجبت لهم في الفيء والغنيمة، وأوجب عليه إخراج حق المساكين وأبناء السبيل أيضا من هذين المالين. والأظهر أنه خطاب لكل إنسان كل في قوله: وَقَضى رَبُّكَ وأما الحق المأمور به للأقارب فهو إذا كانوا محارم كالأبوين والولد وكانوا فقراء عاجزين عن الكسب وكان الرجل موسرا أن ينفق عليهم بقدر الحاجة. وعند الشافعي: لا ينفق إلا على الولد والوالدين وإن كانوا مياسير ولم يكونوا محارم كأبناء العم فحقهم صلتهم بالمودة والزيارة وحسن المعاشرة على السراء والضراء.
وفي عطف المسكين وابن السبيل على ذي القربى دليل على أن المراد بالحق الحق المالي، وقد تقدم وصف المسكين وابن السبيل في «البقرة» وفي «التوبة» . ثم نهى عن التبذير وهو تفريق المال كما يفرق البذر وهو الإسراف المذموم. كانت الجاهلية تنحر إبلها وتتياسر عليها وتنفق أموالها في الفخر والسمعة كما ذكروا ذلك في أشعارها فنهوا عن ذلك وأمروا بالإنفاق فيما يقرب إلى الله. قال ابن مسعود: التبذير إنفاق المال في غير حقه.
وعن مجاهد: لو أنفق مدا في باطل كان تبذيرا. ثم بالغ في تفظيع شأن التبذير قائلا: إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ أي أمثالهم في الشرارة وأصدقاءهم من حيث إنهم يطيعونهم في الأمر بالإسراف، أوهم قرناؤهم في النار على سبيل الوعيد وَكانَ الشَّيْطانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً لأنه يستعمل قواه البدنية في المعاصي والإفساد والإضلال، وكذلك من رزقه الله مالا أو جاها فصرفه إلى غير مرضاة الله كان كفورا لنعمة الله.
ثم علم أدبا حسنا في رد السائل إن أفضى الأمر إلى ذلك ضرورة فقال: وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذ سئل شيئا وليس عنده أعرض عن السائل وسكت حياء.
والقول الميسور الرد بالطريق الأحسن. وقيل: اللين السهل. قال الكسائي: يسرت أيسر له القول أي لينته. وقيل: القول المعروف كقوله: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ [البقرة: ٢٦٣] وذلك أن القول المتعارف لا يحتاج إلى تكلف. وقيل: ادع لهم بأن يسهل الله عليهم أسباب الرزق أي دعاء فيه يسرة. قال جار الله قوله: ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ أما أن يتعلق بجواب الشرط متقدما عليه أي فقل لهم قولا سهلا لينا وعدهم وعدا جميلا ابتغاء رحمة من الله تَرْجُوها بسبب رحمتك عليهم، وإما أن يتعلق بالشرط أي وإن أعرضت عنهم لفقد رزق من ربك ترجو أن يفتح لك فردهم ردا جميلا، فسمى الرزق رحمة وضع الابتغاء موضع الفقد لأن فاقد الرزق مبتغ له. فالفقد سبب الابتغاء فأطلق