ولما قال للشيطان على سبيل الوعيد والتهديد افعل ما تقدر عليه ربط جأش سائر المكلفين بقوله: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الحجر: ٤٢] قال الجبائي: المراد كل عباده لأنه استثنى متبعيه في غير هذا الموضع قائلا: إلّا من تبعك [الحجر: ٤٢] وقال أهل السنة: المراد عباد الله المخلصين. ثم زاد في تقوية جانب المكلف فختم الآية بقوله: وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلًا فهو يدفع كيد الشيطان ويعصمهم من إغوائه. ثم عدد على بني آدم بعض ما أنعم به عليهم ليكون تذكيرا لهم وتحذيرا فقال: رَبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ أي يسير لأجلكم الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ والإزجاء سوق الشيء حالا بعد حال لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ الربح بالتجارة إِنَّهُ كانَ بِكُمْ رَحِيماً فلذلك هداكم إلى مصالح المعاش المؤدية إلى منافع المعاد وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ أي خوف الغرق فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ ذهب عن أوهامكم وخواطركم كل من تدعونه في حوادثكم إِلَّا إِيَّاهُ وحده فإنكم تعقدون برحمته رجاءكم، أو المراد ضل من تدعون من الآلهة عن إغاثتكم ولكن الله هو الذي ترجونه وحده فكان الاستثناء منقطعا فَلَمَّا نَجَّاكُمْ من ذلك الضر وأخرجكم إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ عن الإخلاص وَكانَ الْإِنْسانُ كَفُوراً لنعمة الله لأنه عند الشدة يتمسك برحمة الله وفي الرخاء يعرض عنه. ثم أنكر عليهم سوء معاملتهم قائلا:
أَفَأَمِنْتُمْ تقديره أنجوتم فأمنتم فحملكم ذلك على الإعراض أَنْ يَخْسِفَ أصله دخول الشيء في الشيء ومنه عين خاسفة للتي غارت حدقتها في الرأس، وخسف القمر دخل تحت الحجاب وهو دائرة الظل عند الحكماء بِكُمْ حال، وإنما قال: جانِبَ الْبَرِّ لأنه ذكر البحر في الآية الأولى وهو جانب والبر جانب، وخسف جانب البر بهم قلبه وهم عليه فالخسف تغييب تحت التراب كما أن الغرق تغييب تحت الماء، فهبوا أنكم نجوتم من هول البحر فهل أمنتم من هول البر فإنه قادر على تسليط آفات البر عليكم. إما من جانب التحت بالخسوف، وإما من جانب الفوق بإمطار الحجارة وذلك أن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصبا وهي الريح التي تحصب أي ترمي بالحصباء. وقال الزجاج: الحاصب التراب الذي فيه حصباء، فالحاصب ذو الحصباء كاللابن والتامر. ولا يخفي أن هذين العذابين أشد من غرق البحر. ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا يصرف ذلك عنكم أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تارَةً أُخْرى بأن يقوي دواعيكم ويوفر حوائجكم إلى ركوب البحر فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قاصِفاً وريحا لها قصيف أي صوت شديد أو القاصف الكاسر. وقوله: مِنَ الرِّيحِ بيان له فَيُغْرِقَكُمْ بِما كَفَرْتُمْ بسبب كفركم ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنا بِهِ تَبِيعاً مطالبا يتبعنا لإنكار ما نزل بكم أو لنصرفه عنكم فهو كقوله: وَلا يَخافُ عُقْباها [الشمس: ١٦] .