للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوصف بالضعف كقوله: فَزِدْهُ عَذاباً ضِعْفاً فِي النَّارِ [ص: ٦١] بمعني مضاعفا فكان أصل الكلام عذابا ضعفا في الحياة الدنيا وعذابا ضعفا في الممات، فحذف الموصوف وأقيمت الصفة مقامه، ثم أضيفت الصفة كإضافة الموصوف فقيل: ضعف الحياة وضعف الممات كما لو قيل: لأذقناك أليم الحياة وأليم الممات. وقال في التفسير الكبير: حاصل الكلام أنك لو مكنت خواطر الشيطان من قلبك وعقدت على الركون إليه همك لاستحققت تضعيف العذاب عليك في الدنيا والآخرة، ولصار عذابك مثلي عذاب المشرك في الدنيا ومثلي عذابه في الآخرة. والسبب في تضعيف هذا العذاب أن أقسام نعم الله تعالى في حق الأنبياء أكثر فكانت ذنوبهم وكذا عقوبتهم أعظم نظير يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ [الأحزاب: ٣٠] . ثم إن إثبات الضعف لا يدل على نفي الزائد عليه لأن دليل الخطاب لا حجة فيه فقد يرتقى الضعف إلى مالا حد له كما

جاء في الحديث: «من سن سنة سيئة فله وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» «١»

ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنا نَصِيراً يعني لو أذقناك ذلك لم تجد أحدا يخلصك من عذابنا. واعلم أن القرب من الفتنة لا يدل على الوقوع فيها. والتهديد على المعصية لا يدل على الإقدام عليها فلا يلزم من الآية طعن في عصمة النبي صلى الله عليه وسلم. وفيه أنه لا عصمة من المعاصي إلا بتوفيق الله وتثبيته على الحق. وقالت المعتزلة: المراد بهذا التثبيت الألطاف الصارفة عن ذلك وهي ما أخطر الله بباله من ذكر وعده ووعيده كونه نبيا من عنده. وأجيب بأنه لو لم يوجد المقتضى للإقدام على ذلك الفعل المحذور لم يكن إلى إيجاد المانع حاجة، وليس ذلك المقتضي إلا القدرة مع الداعي ولا ذلك المانع إلا داعية أخرى معارضة للداعي الأول وقد أوجدها الله تعالى عقيب ذلك.

ثم ذكر طرفا آخر من مكايدهم فقال: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ «إن» مخففة من الثقيلة واللام هي الفارقة كما في الآية الأولى ومعنى لَيَسْتَفِزُّونَكَ ليزعجونك كما مر في قوله: وَاسْتَفْزِزْ [الآية: ٦٤] والأرض إما أرض مكة، كما قال قتادة ومجاهد ويرد عليه أن «كاد» للمقاربة لا للحصول لكن الإخراج قد حصل لقوله: وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ [محمد: ١٣] ويمكن أن يقال: إنهم هموا بإخراجه ولكن الله منعهم من ذلك حتى هاجر بأمر ربه، فأطلق الإخراج على إرادة الإخراج مجوزا


(١) رواه الدارمي في كتاب المقدمة باب ٤٤. ابن ماجه في كتاب المقدمة باب ١٤. أحمد في مسنده (٤/ ٣٦٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>