يؤيده قوله: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ وهو معطوف على لَيَسْتَفِزُّونَكَ أي لا يبقون بعد إخراجك إلا زمانا قليلا أي لو أخرجوك لاستؤصلوا لكنه لم يقع الاستئصال فدل ذلك على عدم وقوع الإخراج. ومن جوز وقوع الإخراج قال: المراد بعدم اللبث أنهم أهلكوا ببدر بعد إخراجه بقليل. واما أرض المدينة على ما
روي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة حسدته اليهود وكرهوا قربه منهم وقالوا: يا أبا القاسم إن الأنبياء بعثوا بالشام وهي بلاد مقدسة وكانت مهاجر إبراهيم، فلو خرجت إلى الشام لآمنا بك واتبعناك. وقد علمنا أنه لا يمنعك من الخروج إلا خوف الروم، فإن كنت رسول الله فالله مانعك منهم. فعسكر رسول الله صلى الله عليه وسلم على أميال من المدينة أو بذي الحليفة حتى يجتمع إليه أصحابه ويراه الناس عازما على الخروج إلى الشام لحرصه على دخول الناس في دين الله فنزلت الآية فرجع.
وعلى هذا القول تكون هذه الآية أيضا مدنية، والخلاف في معنى الخلف كما مر في قوله: بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ [التوبة: ٨١] وقرىء: وإذا لا يلبثوا بحذف النون على إعمال «إذن» فتكون الجملة برأسها معطوفة على جملة قوله: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ. ثم بين أن عادته تعالى جارية بأن كل قوم أخرجوا رسولهم من بين ظهرانيهم فإنه يهلكهم فقال سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا وهو منصوب على المصدر المؤكد أي سن الله ذلك سنة وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنا تَحْوِيلًا لأن الأسباب الكلية في الأزل اقتضت توزع كل من أجزاء الزمان على حادث معين بسبب معين، فتبديل إحدى الحوادث وتحويلها إلى وقت آخر يقتضي تغيير الأسباب عن أوضاعها وهو محال عقلا وعادة.
وقال أهل النظم: لما قرر الإلهيات والمعاد والجزاء أردفها بذكر أشرف الطاعات وهي الصلاة. وأيضا لما قال: وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ أمره بالاشتغال بعبادته تفويضا للأمور إلى الله وتعويلا على فضله في دفع شر أعدائه نظيره قوله في سورة طه: فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِها [طه: ١٣٠] . ذهب كثير من المفسرين كابن قتيبة وسعيد بن جبير منقولا عن ابن عباس، أن دلوك الشمس هو غروبها. وعلى هذا لا تشمل الآية صلاتي الظهر والعصر. وأكثر الصحابة والتابعين على أن دلوك الشمس زوالها عن كبد السماء ويؤيده ما
روي أنه صلى الله عليه وسلم قال: أتاني جبرائيل لدلوك الشمس حين زالت الشمس فصلى بي الظهر.
قالوا: واشتقاقه من الدلك لأن الإنسان يدلك عينيه إذ ينظر إليها وهي في كبد السماء. وعلى هذا التفسير تشمل الآية جميع الصلوات الخمس. وحمل كلام الله على ما هو أكثر فائدة أولى واللام