رسول الله صلى الله عليه وسلم على الذهاب إليه فكأنه قيل له المعبود واحد في كل البلاد وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فداوم على الصلاة وارجع إلى مقرك ومسكنك. وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي في المدينة مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي منها إلى مكة مُخْرَجَ صِدْقٍ أي افتحها لي فعلى هذين القولين يكون الكلام عودا إلى الواقعة المذكورة في قوله وَإِنْ كادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ والأولى أن يقال إنه عام في كل ما يدخل فيه ويلابسه ثم يتركه من أمر ومكان. وقيل: أراد إدخاله مكة ظاهرا عليها بالفتح وإخراجه منها آمنا من المشركين.
وقيل: إدخاله الغار وإخراجه منه سالما. وقيل: إدخاله فيما حمله من عظيم الأمر وهو النبوّة، وإخراجه منه مؤديا لما كلفه من غير تفريط. وقيل: أراد رب أدخلني الصلاة وأخرجني منها مع الصدق والإخلاص والقيام بلوازم الحضور، أو أدخلني في مجاري دلائل التوحيد وأخرجني من الاشتغال بالدليل إلى ضياء معرفة المدلول. وقال صاحب الكشاف: أدخلني القبر إدخالا مرضيا وأخرجني منه عند البعث ملقى بالكرامة. يدل على هذا التفسير ذكره على أثر ذكر البعث وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً حجة ظاهرة تنصرني بها على جميع من خالفني أو ملكا وعزا ناصرا للإسلام وذويه.
ثم شرفه باستجابة دعائه بقوله: وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ أي الإسلام وَزَهَقَ الْباطِلُ اضمحل الشرك من زهقت نفسه إذا خرجت إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً غير ثابت في كل وقت وإن اتفقت له دولة وصولة كانت كنار العرفج.
عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة يوم الفتح وحول البيت ثلاثمائة وستون صنما لقبائل العرب. صنم كل- قوم بحيالهم- فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل. فينكب الصنم لوجهه حتى ألقاها جميعا وبقي صنم خزاعة فوق الكعبة- وكان من قوارير صفر- فقال: يا علي ارم به. فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد فرمى به فكسره،
فجعل أهل مكة يتعجبون ويقولون: ما رأينا رجلا أسحر من محمد فلا جرم كذبهم الله وصدق نبيه بقوله: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ «من» للبيان كقوله: مِنَ الْأَوْثانِ [الحج: ٣٠] أو للتبعيض أي ننزل ما هو شفاء. وهو هذا القرآن أو بعض هذا الجنس. وقيل: زائدة.
ولما كانت إزالة المرض مقدمة على السعي في تكميل موجبات الصحة ذكر كون القرآن شفاء من الأمراض الروحانية كالعقائد الفاسدة والأخلاق الدميمة ومن الأمراض الجسمانية أيضا لما في قراءته من التيمن والبركة وحصول الشفاء للمرض كما
قال صلى الله عليه وسلم:«من لم يستشف بالقرآن فلا شفاه الله» .
ثم بين أنه رحمة للمؤمنين لما فيه من كيفية اقتناص العلوم الجليلة والأخلاق الفاضلة التي بها يصل الإنسان إلى جوار الملائكة