في مدة اللبث غرض صحيح لما فيه من انكشاف الحال وظهور آثار القدرة قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قال ابن عباس: هو رئيسهم يمليخارد علم ذلك إلى الله تعالى حين رأى التغير في شعورهم وأظفارهم وبشرتهم. والفاء في فَابْعَثُوا للتسبيب كأنه قيل: وإذ قد حصل اليأس من تعيين مدة اللبث فخذوا في شيء آخر مما يهمكم. والورق الفضة مضروبة أو غير مضروبة. وفي تزودهم الورق عند فرارهم دليل عى أن إمساك بعض ما يحتاج إليه الإنسان في سفره وحضره لا ينافي التوكل على الله. والمدينة طرسوس. قال في الكشاف: أَيُّها معناه أيّ أهلها أَزْكى طَعاماً وأقول: يحتمل أن يعود الضمير إلى الأطعمة ذهنا كقوله: «زيد طيب أبا» على أن الأب هو زيد، ويجوز أن يراد أي أطعمة المدينة أزكى طعاما على الوجه المذكور. عن ابن عباس: يريد ما حل من الذبائح لأن عامة أهل بلدهم كانوا مجوسا وفيهم قوم يخفون أديانهم. وقال مجاهد: احترزوا من المغصوب لأن ملكهم كان ظالما. وقيل: أيها أطيب وألذ. وقيل: الرخص وَلْيَتَلَطَّفْ وليتكلف اللطف فيما يباشره من أمر المبايعة حتى لا يغبن. والأظهر أنهم طلبوا اللطف في أمر التخفي حتى لا يعرف. يؤيده قوله ولا يشعرون بكم أحدا أي لا يفعلن ما يؤدي إلى الشعور ويسبب له إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا يطلعوا على مكانكم أو عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ يقتلوكم أخبث القتلة وهي الرجم وكأنه كانت عادتهم أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ بالإكراه العنيف.
وقال في الكشاف: العود في معنى الصيرورة أكثر شيء في كلامهم يقولون ما عدت أفعل كذا يريدون ابتداء الفعل. قلت: يحتمل أن يكون العود هاهنا على معناه الأصلي لاحتمال أن يكون أصحاب الكهف على ملة أهل المدينة قبل أن هداهم الله. وفي «أذن» معنى الشرط كأنه قال: إن رجعتم إلى دينهم فلم تفلحوا أبدا، قال المحققون: لا خوف على المؤمن الفار بدينه أعظم من هذين. ففي الأول هلاك الدنيا، وفي الثاني هلاك الآخرة.
وإنما نفى الفلاح على التأبيد مع أن كفر المكره لا يضر، لأنهم خافوا أن يجرهم ظاهر الموافقة إلى الكفر القلبي، وكما أنمناهم وبعثناهم أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ سمى الإعلام إعثارا والعلم عثورا لأن من كان غافلا عن شيء فعثر به نظر إليه وعرفه وكان الإعثار سببا لحصول العلم واليقين. وفي سبب الإعثار قولان: أحدهما أنه طالت شعورهم وأظفارهم طولا مخالفا للعادة وتغيرت بشرتهم فعرفوا بذلك. والأكثرون قالوا: إن ذلك الرجل لما ذهب بالورق إلى السوق وكانت دراهم دقيانوسية اتهموه بأنه وجد كنزا فذهبوا به إلى الملك فقال له: من أين وجدت هذه الدراهم؟ قال: بعت بها أمس شيئا من التمر. فعرف الملك أنه ما وجد كنزا وأن الله بعثه بعد موته فقص عليه القصة. ثم ذكر سبحانه غاية