للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصفهم بطول القامة وكبر الجثة وأثبت لهم مخالب وأضراسا كأضراس السباع. أما إفسادهم في الأرض فقيل: كانوا يقتلون الناس. وقيل: يأكلون لحومهم. وقيل: يخرجون أيام الربيع فلا يتركون أخضر إلا أكلوه ولا يابسا إلا احتملوه فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً وخراجا أي جعلا نخرجه من أموالنا ونظير هما النول والنوال. وقيل: الخرج ما يخرجه كل أحد من ماله، والخراج ما يجبيه السلطان من البلد كل سنة. وقال قطرب: الخرج الجزية والخراج في الأرض قالَ ذو القرنين ما مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي أي جعلني فيه مكينا ذا مكانة من المال واليسار خَيْرٌ مما تبذلون لي من الخراج نظيره قول سليمان فَما آتانِيَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمَّا آتاكُمْ [النمل: ٣٦] فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ بآلات ورجال وصناع. وقيل: بمال أصرفه في هذا المهم ولا آخذه لنفسي والردم أكبر من السد من قولهم «ثوب مردم رقاع فوق رقاع» وزبر الحديد قطعه.

قال الخليل: الزبرة من الحديد القطعة الضخمة. من قرأ آتُونِي بالمد فظاهر، ومن قرأ ائتوني من الإتيان فعلى حذف باء التعدية والنصب بنزع الخافض. ثم هاهنا إضمار أي فأتوه بها فوضع بعضها فوق بعض. حَتَّى إِذا ساوى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ وهما على القراآت جانبا الجبلين لأنهما يتصادفان أي يتقابلان أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً أصب عليه النحاس المذاب وقِطْراً منصوب بأفرغ والتقدير: آتوني قطرا أفرغ عليه قطرا فحذف الأوّل لدلالة الثاني عليه. وهذا محمل ما يستدل به البصريون في أن المختار عند تنازع الفعلين هو إعمال الثاني إذ لو عمل الأول لقال أفرغه عليه. يحكى أنه حفر الأساس حتى بلغ الماء وجعل الأساس من الصخر والنحاس المذاب والبنيان من زبر الحديد بينهما الحطب والفحم حتى سد ما بين الجبلين إلى أعلاهما، ثم وضع المنافيخ حتى إذا صارت كالنار صب النحاس المذاب على الحديد المحمى فاختلط والتصق بعضه ببعض وصار جبلا صلدا. وقيل: بعد ما بين السدين مائة فرسخ.

وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلا أخبره به فقال: كيف رأيته؟ قال: كالبرد المحبر طريقة سوداء وطريقة حمراء. قال: قد والله رأيته.

قال العلماء: هذا معجز من ذي القرنين لأن تلك الزبر الكثيرة إذا صارت كالنار لم يقدر الآدمي على القرب منه، وكأنه تعالى صرف تأثير تلك الحرارة العظيمة عن أبدان أولئك النافخين. فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ أي يعلوه لارتفاعه وملاسته وَمَا اسْتَطاعُوا لَهُ نَقْباً لصلابته وثخانته لما تكرر لفظ الاستطاعة مرارا، حذف منها التاء تخفيفا في الموضعين وأعاد ذكرها بالآخرة تنبيها على الأصل ورجوعا إلى البداية. ثم قالَ ذو القرنين هذا السد أو هذا الإقرار والتمكين نعمة من الله عز وجل ورحمة على عباده

<<  <  ج: ص:  >  >>