فَإِذا جاءَ أي دنا مجيء القيامة جَعَلَهُ دَكًّا مدكوكا مبسوطا مستوي بالأرض وكل ما انبسط بعد ارتفاع فقد اندك. ومن قرأ دَكَّاءَ بالمد فعلى الوصف أي جعله أرضا مستوية وَكانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا وهذا آخر حكاية ذي القرنين.
ثم شرع سبحانه في بقية أخبارهم فقال وتركنا بعضهم يومئذ يموجون أي حين يخرجون مما وراء السد مزدحمين في البلاد. ويروى أنهم يأتون البحر فيشربون ماءه ويأكلون دوابه ثم يأكلون الشجر ومن ظفروا به ممن لم يتحصن منهم من الناس ولا يقدرون أن يأتوا مكة ولا المدينة وبيت المقدس. ثم يبعث الله نغفا وهو دود يكون في أنوف الإبل والغنم فيدخل آذانهم فيموتون. وقيل: أراد أن قوم السد لما منعوا من الخروج ماج بعضهم في بعض خلفه. وقيل: الضمير للخلق واليوم يوم القيامة أي وجعلنا الخلق يضطربون ويختلط إنسهم وجنهم حيارى. ونفخ الصور من آيات القيامة وسيجيء وصفه.
ومعنى عرض جهنم إبرازها وكشفها للذين عموا عنها في الدنيا، وفي ذلك نوع من العقاب للكفار لما يتداخلهم من الغم والفزع عَنْ ذِكْرِي أي عن آياتي التي ينظر إليها فأذكر بالتعظيم فأطلق المسبب على السبب أو عن القرآن وتأمل معانيه. وصفهم بالعمى عن الدلائل والآثار فأراد أن يصفهم بالصمم عن استماع الحق فقال وَكانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً وهو أبلغ من أن لو قال «وكانوا صما» لأن الأصم قد يستطيع السمع إذا صيح به، وهؤلاء زالت عنهم الاستطاعة بالكلية. احتجت الأشاعرة بالآية على أن الاستطاعة مع الفعل لأنهم لما لم يسمعوا لم يستطيعوا. وأجيب بأن المراد من نفي الاستطاعة النفرة والاستثقال. ثم أنفذ في التوبيخ والوعيد قائلا أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا والمراد أفظنوا أنهم ينتفعون بما عبدوه مع إعراضهم عن تدبر آيات الله وتمردهم عن قبول أمره وأمر رسوله؟
وفيه إضمار تقديره أفحسبوا اتخاذ عبادي أولياء نافعا. والعباد إما عيسى والملائكة، وإما الشياطين الذين يطيعونهم، وإما الأصنام أقوال. ومن قرأ بسكون السين فمعناه أفكافيهم ومحسبهم أن يتخذوهم أولياء على الابتداء والخبر، أو على أنه مثل «أقائم الزيدان» يريد أن ذلك لا يكفيهم ولا ينفعهم عند الله كما حسبوا. قال الزجاج: النزل المأوى والمنزل.
وقيل: إنه الذي يعدّ للضيف فيكون تهكما به نحو فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ [آل عمران: ٢١] أما الذين ضل سعيهم أي ضاع وبطل
فعن علي رضي الله عنه أنهم الرهبان
كقوله: عامِلَةٌ ناصِبَةٌ [الغاشية: ٣]
وروي عنه صلى الله عليه وسلم أن منهم أهل حروراء.
وعن مجاهد: أهل الكتاب. والتحقيق أنه يندرج فيه كل ما يأتي بعمل خير لا يبتني على إيمان وإخلاص. وعن أبي سعيد الخدري: يأتي الناس بأعمال يوم القيامة هي عندهم في العظم