حتى ظنت أنه يريدها بسوء فاستعاذت بالرحمن منه بخلاف هذه القصة في آل عمران فإنها بنيت على الأمن والبشارة بقوله: وإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ [آل عمران: ٤٥] فلم تحتج إلى هذه الزيادة. وقال جار الله: المس عبارة عن النكاح الحلال لأنه كناية عنه في قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ [البقرة: ٢٣٧] أو لمستم النساء [النساء: ٤٣] وإنما يقال في الزنا «فجر بها» و «خبث بها» ونحو ذلك ولا يليق به الكنايات والآداب. قلت لو سلم هذا من حيث اللغة إلا أنه لا بد لزيادة قوله: وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا في هذا المقام من فائدة وقد عرفت ما سنح لنا والله أعلم. قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ تفسيره كما مر في قصة زكريا وَلِنَجْعَلَهُ أي ولنجعل الغلام أو خلقه آيَةً لِلنَّاسِ يستدل بها على كمال اقتدارنا على إبداع الغرائب فعلنا ذلك، ويجوز أن يكون معطوفا على تعليل مضمر يتعلق بما يدل عليه هَيِّنٌ أي تخلقه لنبين به قدرتنا وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً وقد مر مثل هذا في قوله: وَكَذلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ [يوسف: ٢١] وَرَحْمَةً مِنَّا على عبادنا لأن كل نبي رحمة لأمته فبه يهدون إلى صلاح الدارين وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا مقدرا في اللوح أو أمرا حقيقا بأن يقضي به لكونه آية ورحمة، وهذا مبني على أن رعاية الأصلح واجبة على الله. وهاهنا إضمار قال ابن عباس: فاطمأنت إلى قوله فدنا منها فنفخ في جيب درعها فوصلت النفخة إلى بطنها فحملت. وقيل: في ذيلها فوصلت إلى الفرج. وقيل: في فمها. وقيل: إن النافخ هو الله كقوله وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [ص: ٧٢] وعلى هذا يقع تقديم ذكر جبرائيل كالضائع ولا سيما في قراءة من قرأ لِأَهَبَ لَكِ
قيل: حملته وهي بنت ثلاث عشرة سنة. وقيل: بنت عشرين وقد حاضت حيضتين قبل أن تحمل. وكم مدة حملها؟ عن ابن عباس في رواية تسعة أشهر كما في سائر النساء لأنها لو كانت مخالفة لهن في هذه العادة لناسب أن يذكرها الله تعالى في أثناء مدائحها. وقيل: ثمانية أشهر ولم يعش مولود لثمانية إلا عيسى. قال أهل التنجيم: إنما لا يعيش لأنه يعود إلى تربية القمر وهو مغير معفن بسرعة حركته وغلبة التبريد والترطيب عليه. وعن عطاء وأبي العالية والضحاك: سبعة أشهر. وقيل: ستة أشهر. وقيل: حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة حين زالت الشمس من يومها. وعن ابن عباس في رواية أخرى: كما حملته نبذته لقوله تعالى: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ إلى قوله: كُنْ فَيَكُونُ [آل عمران: ٥٩] ولفاآت التعقيب في قوله: فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ وعلى هذا فالمكان القصي هو أقصى الدار أو وراء الجبل بعيدا من أهلها. ومعنى انتبذت به اعتزلت متلبسة به وهو في بطنها. وقصى مبالغة قاص.