وروى الثعلبي عن وهب قال: إن مريم لما حملت فأول من عرف هو يوسف النجار ابن عمها وكانت سميت له، وكانا يخدمان المسجد ولا يعلم من أهل زمانهما أكثر عبادة وصلاحا منهما. فقال لها: إنه وقع في نفسي من أمرك شيء ولا أحب أن أكتمه عنك.
فقالت: قل قولا جميلا. فقال: أخبريني يا مريم هل نبت زرع بغير بذر؟ قالت: نعم. ألم تعلم أن الله تعالى أنبت الزرع يوم خلقه من غير بذر! أو تقول: إن الله لا يقدر على الإنبات حتى يستعين بالماء، ألم تعلم أن الله تعالى خلق آدم وامرأته من غير ذكر ولا أنثى! فقال يوسف: لا أقول هذا ولكني أقول: إن الله قادر على ما يشاء، وزالت التهمة عن قلبه وكان ينوب عنها في خدمة المسجد لضيق قلبها واستيلاء الضعف عليها من الحمل. فحين دنا نفاسها أوحى الله إليها أن اخرجي من أرض قومك لئلا يقتلوا ولدك، فاحتملها يوسف إلى أرض مصر على حمار له، فلما بلغت تلك الدار أدركها النفاس فألجأها إلى أصل نخلة.
قال جار الله: منقول من جاء إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء. لا يقال: جئت المكان وأجاءنيه زيد كما يقال بلغته وأبلغنيه، ونظيره «آتى» حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء ولم يقل «أتيت المكان وآتانيه فلان» . قلت: حاصله تخصيص باء التعدية بعد تعميم والْمَخاضُ بفتح الميم وجع الولادة. قال الجوهري: مخضت الناقة بالكسر مخاضا مثل سمع سماعا. قيل: طلبت الجذع لتستتر به وتعتمد عليه عند الولادة. يروى أنه كان جذعا لنخلة يابسة في الصحراء ليس لها رأس ولا ثمرة خضرة، وكان الوقت شتاء والتعريف إما كتعريف النجم والصعق لكون ذلك الجذع مشهورا هناك، وإما للجنس أي جذع هذه الشجرة خاصة أرشدت إليها لتطعم منها الرطب الذي هو خرسة النفساء أي طعامها الموافق لها، ولأن النخلة أقل الأشياء صبرا على البرد ولا تثمر إلا باللقاح فكان ظهور ذلك الرطب من ذلك الجذع في الشتاء من دون لقاح وإبار دليلا على حصول الولد من غير ذكر.
قال في الكشاف: النسي اسم ما من حقه أن يطرح وينسى كخرقة الطامث ونحوها، ونظير الذبح لما من شأنه أن يذبح. وعن يونس: أن العرب إذا ارتحلوا قالوا: انظروا أنساءكم يعنون العصا والقدح والشظاظ ونحوها. تمنت لو كانت شيئا يعبأ به فحقه أن ينسى في العادة.
ومعنى مَنْسِيًّا أنه قد نسي وطرح فوجد فيه النسيان الذي هو حقه. وإنما تمنت ذلك لما لحقها من فرط الحياء والخجل، أو لأنهم بهتوها وهي عارفة ببراءة ساحتها فشق ذلك عليها، أو لخوفها على الناس أن يعصوا الله بسببها. ومن قرأ نَسْياً بالفتح فقد قال الفراء: هما لغتان كالوتر والوتر. ويجوز أن يكون تسمية بالمصدر كالحمل. وقرىء نسأ بالهمز وهو الحليب المخلوط بالماء ينسؤه أهله لقلته ونزارته فَناداها مِنْ تَحْتِها