الكلام المنصف على زعمهم، والمقصود نحن أوفر حظا على ما يظهر منا في أحوال قيامنا وقعودنا، وحسن الحال في الدنيا ظاهر على الفضل والرفعة وضده أمارة على النقص والضعة، فأجابهم الله تعالى بقول: وَكَمْ أَهْلَكْنا أي كثيرا من المرات أهلكنا قبلهم أهل عصر و «من» بيان المهلك. ويجوز أن تكون زائدة للتأكيد و «كم» استفهامية لتقرير التكثير، أو خبرية عند من يجوّز زيادتها في الموجب. وهُمْ أَحْسَنُ في محل النصب صفة ل «كم» أو الجر صفة قَرْنٍ والأثاث متاع البيت وقد مر في النحل في قوله:
أَثاثاً وَمَتاعاً إِلى حِينٍ [الآية: ٨٠] قال الجوهري: من همز رِءْياً جعله من رأيت وهو ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة، ومن لم يهمزه فإما أن يكون على تخفيف الهمزة أي قلب الهمزة ياء وأدغم، أو يكون من «رويت ألوانهم وجلودهم ريا» أي امتلأت وحسنت. وقال جار الله: الري هو المنظر والهيئة «فعل» بمعنى «مفعول» . وقرىء بهمز قبله ياء على القلب كقولهم «راء» في «رأي» . وقرىء بالزاي المنقوطة واشتقاقه من الزي بالفتح وهو الجمع لأن الزي محاسن مجموعة. وفي الآية حذف التقدير أحسن من هؤلاء، والحاصل أنه تعالى أهلك من كان أكثر مالا وجمالا منهم وذلك دليل على إفساد إحدى مقدمتيهم وهي أن كل من وجد الدنيا كان حبيب الله، أو على فساد المقدمة الأخرى وهي أن كل من كان حبيبا لله فإنه لا يوصل إليه غما. ثم بين أن مآل الضال إلى الخزي والنكال وإن طالت مدته وكثرت عدته، وقوله: فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ خبر مخرج على لفظ الأمر إيذانا بوجوب الإمهال وأنه مفعول لا محالة لتنقطع معاذير الضال ويقال له يوم القيامة أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ ما يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ [فاطر: ٣٧] أو ليزدادوا إثما كقوله إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً [آل عمران:
١٧٨] أو هو في معنى الدعاء بأن يمهله الله عز وجل وينفس في مدة حياته. والغاية أحد الأمرين المذكورين أي انقطاع العذر أو ازدياد الإثم. أما قوله: حَتَّى إِذا رَأَوْا إلى آخر.
فقد قال في الكشاف: إنه يحتمل أن يكون متصلا بقوله: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ إلى آخره، وما بينهما اعتراض قالوا: أي الفريقين خبر مقاما وأحسن نديا حتى إذا رأوا ما يوعدون. والمعنى لا يزالون يتفوّهون بهذا القول مولعين به إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين إِمَّا الْعَذابَ في الدنيا وهو غلبة المسلمين بالقتل والأسر وتغير أحوالهم من العز إلى الذل ومن الغنى إلى الفقر، وأما يوم القيامة، ويحتمل أن تتصل بما يليها والمراد أنهم لا ينفكون عن ضلالتهم وسوء مقالتهم إلى أن يعاينوا عذاب الدنيا، أو الساعة ومقدماتها. وقوله:
فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً في مقابلة قولهم: خَيْرٌ مَقاماً وَأَحْسَنُ نَدِيًّا لأن مقامهم هو مكانهم والنديّ المجلس الجامع لوجوه قومهم وأعوانهم، والجند