للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعوان، ولا ريب أن مكان القتل والأسر شر مكان في الدنيا ومكان عذاب النار شر مكان في الآخرة. ولا شك أيضا أنه لو كان لهم في الوقتين ناصر قوي لم يلحقهم من الخزي والنكال ما لحقهم.

وحين بيّن حال أهل الضلال أراد أن يبين حال أهل الكمال فقال: وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً وذلك أن بعض الاهتداء يجر إلى البعض الآخر كالإيمان يجر إلى الإخلاص فيه كما أن بعض الغواية يجر إلى بعضها. ومنهم من فسر الزيادة بالعبادات المرتبة على الإيمان. والواو في وَيَزِيدُ للاستئناف. وقد تكلف جار الله فقال: إنه للعطف على معنى فَلْيَمْدُدْ أي يزيد في ضلال الضال بخذلانه ويزيد المهتدين هداية بتوفيقه. وقد مر في سورة الكهف أن الباقيات الصالحات فسرها الأكثرون بجميع الأعمال الصالحات المؤدية إلى السعادات الباقيات. وفسرها بعضهم بما هي أعظم ثوابا منها كالصلوات الخمس وغيرها. وقوله: خَيْرٌ يقتضي غيرا يكون مشاركا له في أصل الخيرية ويكون هذا خيرا منه، فإن قدرنا ذلك شيئا فيه خيرية كبعض الأعمال الدنيوية المباحة أو كسائر الأعمال الصالحة عند من يفسر الباقيات بمعنى الأخص فظاهر أنها خير ثَواباً وَخَيْرٌ مَرَدًّا أي مرجعا وعاقبة أو منفعة من قولهم: «هل لهذا الأمر مرد» إن قدرنا ذلك شيئا لا ثواب فيه ولا خيرية كما زعم جار الله أن المراد هي خير ثوابا من مفاخرات الكفار، فيكون إطلاق الثواب على عقاب الكفار من قبيل التهكم ومن باب قولهم: «تحية بينهم ضرب وجيع» . ويكون وجه التفضيل في الخير ما قيل في قولهم: «الصيف أحر من الشتاء» أي هو أبلغ في حره من الشتاء في برده، ثم أردف مقالتهم الحمقاء بأخرى مثلها قائلا على سبيل التعجب أَفَرَأَيْتَ كأنه قال: أخبر أيضا بقصة هذا الكافر واذكر حديثه عقيب حديث أولئك. وإنما استعملوا «أرأيت» بمعنى «أخبر» لأن رؤية الشيء من أسباب صحة الخبر عنه. عن الحسن: نزلت في الوليد بن المغيرة، والمشهور أنها في العاص بن وائل. قال خباب بن الأرت: كان لي عليه دين فاقتضيته، وقيل: صاع له حليا فاقتضاه الأجر فقال: إنكم تزعمون أنكم تبعثون وأن في الجنة ذهبا وفضة وحريرا، فأنا أقضيك، ثم فإني أوتي مالا وولدا حينئذ. من قرأ وَلَداً بفتحتين فظاهر، ومن قرأ بالضم فالسكون، فإما جمع ولد كاسد في أسدا، أو بمعنى الولد كالعرب والعرب، فأنكر الله سبحانه عليه بقوله مستفهما أَطَّلَعَ الْغَيْبَ من قولهم «اطلع الجبل» أي ارتقى الى أعلاه، ولاختيار هذه الكلمة شأن كأنه قال: أو قد بلغ من عظمة شأنه أن ارتقى إلى عالم الغيب الذي تفرد به علام الغيوب أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمنِ عَهْداً عن الكلبي: هل عهد الله إليه أن

<<  <  ج: ص:  >  >>