أي طوى مرتين أي قدس. وقال الحسن: ثنيت فيه البركة والتقديس مرتين، ويحتمل أن يراد نودي نداءين. وقيل: طوى مصدر كهدى ومعناه العلى. وعن ابن عباس أنه مر بذلك الوادي ليلا فطواه فكان المعنى بالواد المقدس الذي طويته طيا أي قطعته حتى ارتفعت إلى أعلاه. وَأَنَا اخْتَرْتُكَ اصطفيتك للنبوة. قيل: فيه دلالة على أن النبوة لا تحصل بالاستحقاق وإنما هي ابتداء عطية من الله. وفي هذه الأخبار غاية اللطف والرحمة ولكن في قوله فَاسْتَمِعْ نهاية الجلال والهيبة ففي الأول رجاء وفي الثاني خوف كأنه قال: جاءك أمر عظيم فتأهب له واجعل جميع همتك مصروفة إليه. لِما يُوحى أي للذي يوحى أو للوحي متعلق ب فَاسْتَمِعْ أو ب اخْتَرْتُكَ ثم قال إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا ورتب عليه فَاعْبُدْنِي ليعلم أن عبادته إنما لزمت لإلهيته ومن هنا قال العلماء: إن الله معناه المستحق للعبادة. قال الأصوليون:
تأخير البيان عن وقت الحاجة غير جائز ولكن عن وقت الخطاب جائز لأنه أمره بالعبادة ولم يذكر كيفيتها. وأيضا قال وَأَقِمِ الصَّلاةَ ولم يبين هيئاتها. أجاب القاضي عن هذا الأخير بأنه لا يمتنع أن موسى عليه السلام قد عرف الصلاة التي تعبد الله بها شعيبا وغيره من الأنبياء، فكان الخطاب متوجها إلى ذلك، وزيف بأن حمل الخطاب متوجها على التأسيس أولى قال: قد بين له ولكن لم يحك الله تعالى سوى هذا القدر. ورد بأن البيان أكثر فائدة من المجمل، فلو كان مذكورا لكان أولى بالحكاية. ولقائل أن يقول: سلمنا أن المبين أكثر فائدة للمخاطب، ولكن لا نسلم أن حكاية المبين أولى فلعل حكاية المجمل تكفي لغيره لصيرورة بعض هيئات ذلك التكليف منسوخا وإن كان أصله باقيا.
وفي قوله لِذِكْرِي وجوه. لأن اللام إما بمعنى الوقت أو هي للتعليل. والذكر إما بالجنان أو هو ضد النسيان. وياء المتكلم فاعل في الأصل أو مفعول. وهل يحتمل الكلام تقدير مضاف أم لا؟. ولمثل هذه الاعتبارات تعددت الوجوه فمنها: أن اللام للتعليل والياء منصوب أي لتذكرني فإن ذكري أن أعبد ويصلي لي، أو أراد لتذكرني في الصلاة لاشتمالها على الأذكار. عن مجاهد: والفرق أن إطلاق الذكر على العبادة والصلاة في الأول حقيقة شرعية، وفي الثاني مجاز. أو نقول: في الأول تكون نفس الصلاة مطلوبة بالذات، وفي الثاني تكون مطلوبة بعرض الذكر، أو أراد لذكري خاصة لا تشوبه بذكر غيري. ومنها أن المضاف مع ذلك محذوف أي لإخلاص ذكري وطلب وجهي. ومنها أن الياء فاعل أي لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها، أو لأن أذكرك بالمدح والثنا وأجعل لك لسان صدق.
ومنها أن اللام للوقت كقولك «جئتك لوقت كذا» أي لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة.
ومنها أن يحمل الذكر على ضد النسيان أي لتكون لي ذاكرا غير ناس فعل المخلصين في كونهم رطاب اللسان في جميع الأحيان بذكر مولى الأنعام ومولى الإحسان رِجالٌ لا