وقيل: لعله سمع النداء من جماد كالحصا والشجرة فيكون معجزا. وأيضا إنه رأى النار في الشجرة الخضراء بحيث إن الخضرة ما كانت تطفئ تلك النار ولا النار تضر بالخضرة، فعرف أنه لا يقدر عليه أحد إلا الله. وجوّز الأشاعرة أن يكون قد خلق الله تعالى علما ضروريا بذلك والمعتزلة منعوا منه قالوا إن حصول العلم الضروري بأن ذلك المتكلم هو الله يستلزم العلم الضروري بوجود الصانع لا ستحالة أن تكون الصفة معلومة بالضرورة والذات معلوما بالاستدلال، وحصول العلم الضروري بوجود الصانع ينافي التكليف وبالاتفاق لم يخرج موسى عن التكليف. قال القاضي: إن كانت النبوة قد تقدمت لموسى فلا كلام في حصول هذه الخوارق وإلا وجب أن تكون المعجزات لغيره من الأنبياء في زمانه كشعيب مثلا. قال:
وهذا أولى لأن قوله وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى دليل على أنه أوّل وحي يوحى إليه. وعند أهل السنة الإرهاص جائز فلم يوجبوا إحالة تلك الخوارق إلى غيره. وعندهم أن الله تعالى أسمعه الكلام الذي ليس بحرف ولا صوت. والمعتزلة أنكروا وجود ذلك الكلام. وقالوا: إنه تعالى خلق ذلك النداء في جسم من الأجساد كالشجرة وهو قادر على ذلك. وأهل السنة مما وراء النهر أثبتوا الكلام القديم إلا أنهم زعموا أن الذي سمعه موسى صوت خلقه الله في الشجرة لأنه تعالى رتب النداء على أنه أتى النار، والمرتب على المحدث. ومثله استدلال المعتزلة بقوله فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ على أن كلامه تعالى ليس بقديم لأن الأمر والمأمور معدوم سفه فلا بد أن يكون هذا الأمر عند وجود موسى فيكون محدثا.
أجابت الأشاعرة بأن كلامه الأزلي ليس بأمر ولا نهي، ولو سلم فأمره بالأزل مستمر إلى أن صار الشخص مأمورا من غير تغير في أمره كالقدرة الأزلية تتعلق بالمقدور الحادث.
وأما الحكمة في الأمر بخلع النعلين قال المفسرون: لأنهما كانتا من جلد حمار ميت غير مدبوغ وهو قول علي ومقاتل والكلبي والضحاك وقتادة والسدي. وقال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد: ليباشر الوادي بقدميه متبركا به. وقيل: عظم البقعة عن وطئها إلا حافيا يؤيده قوله إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ. ومن هنا كره بعضهم الصلاة والطواف في النعل، وكان السلف يطوفون بالكعبة حفاة، ومنهم من استعظم دخول المسجد بنعليه وكان إذا وقع منه ذلك تصدق. وعلى القول الأول لا يكره إلا إذا كان غير مدبوغ.
وقد صلى النبي صلى الله عليه وسلم في نعليه ثم خلعهما في الصلاة فخلع الناس نعالهم فلما سلم قال: ما لكم خلعتم نعالكم؟ قالوا: خلعت فخلعنا. قال: فإن جبرائيل أخبرني أن فيهما قذرا.
يروى أن موسى خلع نعليه وألقاهما من وراء الوادي.
قال الجوهري طُوىً بكسر الطاء وضمها اسم موضع بالشأم. فمن صرفه جعله اسم واد ومكان، ومن لم يصرفه جعله اسم بقعة. وقال بعضهم: طوى بالضم مثل طوى وهو الشيء المثنى