حث بليغ على العمل بالدليل وزجر قويّ عن التقليد وإنذار بأن الردى والهلاك مع اتباع الهوى. وهاهنا استدل الأصوليون على شرف علمهم ووجوب تعلمه كيلا يتمكن الخصم من تشكيكه. وزعم القاضي أن في نسبة الصد إلى الكافر بالبعث دليلا على أن القبائح إنما تصدر عن العباد. وعورض بالعلم والداعي كما مر مرارا. قال أهل التحقيق: قوله أوّلا لموسى فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إشارة إلى التخلية وتحصيل ما ينبغي تحصيله. وأصول ذلك ترجع إلى علم المبدأ وهو قوله إِنِّي أَنَا اللَّهُ وإلى علم الوسط وهو قوله فَاعْبُدْنِي وإنه مشتمل على الأعمال الجسمانية. وقوله لِذِكْرِي وهو مشتمل الأعمال الروحانية وإلى علم المعاد وذلك قوله إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ. وأيضا إنه افتتح الخطاب بقوله وَأَنَا اخْتَرْتُكَ وهو غاية اللطف، وختم الكلام بقوله فَلا يَصُدَّنَّكَ إلى آخره وهو قهر تنبيها على أن رحمته سبقت غضبه، وأن العبد لا بد أن يكون سلوكه على قدمي الرجاء والخوف. قوله وَما تِلْكَ مبتدأ وخبر وبِيَمِينِكَ حال منتصب بمعنى الإشارة أو الاستفهام. وجوّز الكوفيون أن يكون تِلْكَ اسما موصولا صلته بِيَمِينِكَ أي ما التي بيمينك. قيل: لم يقل بيدك لأنه يحتمل أن يكون في يساره خاتم أو شيء آخر وكان يلتبس عليه الجواب.
أسئلة: ما الفائدة في هذا السؤال؟ جوابه أن الصانع الماهر إذا أراد أن يظهر من الشيء الحقير كقطعة من حديد شيئا شريفا كاللبوس المسرد عرضه على الحاضرين ويقول ما هذا حتى إنه بعد إظهار صنعته يلزمهم بقولهم ويقول: خذوا هذا من ذلك الذي قلتم فكأنه سبحانه قال لموسى: هل تعرف حقيقة ما في يمينك وأنه خشبة يابسة حتى إذا قلبه ثعبانا عظيما كان قد نبهه على كمال قدرته الباهرة. وقال أهل الخطابة: إنه سبحانه لما أطلعه على تلك الأنوار المتصاعدة من الشجرة إلى السماء، وأسمعه تسبيح الملائكة ثم أسمعه كلام نفسه ممازجا باللطف والقهر والتكاليف تحير موسى ودهش وكاد لا يعرف اليمين من الشمال فقيل له وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى ليعرف موسى أن يمينه هي التي فيها العصا. وأيضا إنه لما تكلم معه بالكلم الإلهية وقرب موسى أن يدهش تكلم معه بكلام البشر إزالة لتلك الدهشة والحيرة لا لأن المسئول عنه مما يقع فيه الغلط كما أن السائل لا يجوز عليه الغلط نظيره حال المؤمن في القبر يغلبه الوجل والخجل والحياء فيسأل عن أمر لا يشك فيه في الدنيا وهو التوحيد دفعا للإيحاش وجلبا للاستئناس. وأيضا لما عرف موسى كمال الإلهية أراد أن يعرفه نقصان البشرية فسأله عن منافع العصا فذكر ما ذكر، فعرّفه الله تعالى أن فيها منافع أجل مما ذكر تنبيها على أن عقول البشر قاصرة عن خفيات الأمور لولا التوفيق والإرشاد. آخر: خاطب موسى بلا واسطة وخاطب محمدا صلى الله عليه وسلم بواسطة جبرائيل، فيلزم أن