يكون موسى أفضل. وجوابه المنع بدليل فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى
[النجم: ١٠] وبيان الأفضلية أن كلامه مع موسى لم يكن سرا وكلامه مع محمد سر لم يستأهل له سواه.
وأيضا حصل لأمته في الدنيا شرف التكليم المصلي يناجي ربه، وفي الآخرة شرف التسليم والتسليم سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ [يس: ٥٨] . وأيضا إن موسى كان عند استغراقه في بحر المحبة متعلقا بالعصا ومنافعها، ومحمد عليه السلام لم يلتفت إلى الكونين حين عرضا عليه ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى [النجم: ١٧] بل كان فانيا عن الأغيار باقيا بالواحد القهار ولهذا لم يزد في الثناء حينئذ على
قوله «أنت كما أثنيت على نفسك»«١» .
وهاهنا نكت منها: أنه سبحانه لما أشار إلى العصا واليد بقوله وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى حصل في كل منهما برهان باهر ومعجز ماهر فصار أحدهما- وهو الجماد- حيوانا والآخر- وهو الكثيف- نورانيا لطيفا. ثم إنه تعالى ينظر في كل يوم ثلاثمائة وستين نظرة إلى قلب العبد فأي عجب أن ينقلب قلبه الجامد المظلم حيا مستنيرا. ومنها أن العصا صارت بين يمين موسى حيا فكيف لا يصير قلب المؤمن الذي هو بين أصبعين من أصابع الرحمن حيا! ومنها أن يصير بمدد نظر الرب في كل يوم مرات بحيث يبتلع سحر النفس الأمارة بالسوء. ثم إن جواب موسى عليه السلام يتم بقوله هِيَ عَصايَ إلا أنه زاد على ذلك لأنه كان يحب المكالمة وكان المقام مقام انبساط وقرب فاغتنم الفرصة وجعل ذلك كالوسيلة إلى درك الغرض. وقيل: هو جواب سؤال آخر كأنه سئل فما تصنع بها فأخذ في ذكر منافعها. وقيل: خاف أن ينكر عليه استصحاب العصا كالنعلين. ومعنى أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها أغتمد عليها إذا أعييت أو وقفت على رأس القطيع وعند الطفرة والتركيب يدور على الشد والإيثاق. وَأَهُشُّ بِها أي أخبط الورق بها على رؤوس غنمي لتأكله.
والتركيب يدل على الرخاوة واللين ومنه «رجل هش المكسر» أي سهل الشأن فيما يطلب من الحوائج وهو مدح «وهش الخبز» يهش بالكسر إذا كان ينكسر لرخاوته. قال المحققون: إن موسى عليه السلام كان يتوكأ على العصا ومحمد صلى الله عليه وسلم كان يتكل على فضل الله ورحمته قائلا مع أمته حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران: ١٧٣] فورد في حقه حسبك وحسب من اتبعك من المؤمنين [الأنفال: ٦٤] أي حسبك وحسب من اتبعك. وأيضا إنه بدأ بمصالح نفسه في قوله أَتَوَكَّؤُا عَلَيْها ثم بمصالح رعيته
(١) رواه مسلم في كتاب الصلاة حديث ٢٢٢. أبو داود في كتاب الصلاة باب: ١٤٨. النسائي في كتاب قيام الليل باب: ٥١. الترمذي في كتاب الدعوات باب: ٧٥، ١١٢. ابن ماجه في كتاب الدعاء باب: ٣. الموطأ في كتاب مسّ القرآن حديث ٣١. أحمد في مسنده (١/ ٩٦، ١١٨) .