للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصدع والمعرفة تصعد إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ [فاطر: ١٠] وثامنها الشمس منفعتها في الدنيا والمعرفة منفعتها في الدارين فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ [النحل: ٩٧] وبوجه آخر الشمس زينة لأهل الأرض، والمعرفة زينة لأهل السماء. وتاسعها الشمس فوقاني الصورة تحتاني المعنى، والمعارف الإلهية تحتانية الصورة فوقانية المعنى، وفيه أن الخيبة مع الترفع والشرف مع التواضع. وعاشرها الشمس تعرّف أحوال الخلق، والمعرفة تصل القلب إلى الخالق. والشمس تقع على الولي والعدوّ والمعرفة لا تحصل إلا للولي، ولما كان شرح الصدر الذي هو أول مراتب الروحانيات أشرف من أعلى مراتب الجسمانيات بدأ موسى بطلبه قائلا رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي.

السادسة: الشمس سراج أوقدها الله تعالى للفناء كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ [الرحمن: ٢٦] والمعرفة سراج استوقده للبقاء يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [ابراهيم: ٢٧] والذي خلقه للفناء إذا قرب منه الشيطان احترق يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً [الجن: ٩] والذي خلقه للبقاء كيف يقرب منه الشيطان رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وأيضا: الشمس في السماء ثم إنها مع بعدها تزيل الظلمة عن بيتك، فشمس المعرفة مع قربها لأنها في قلبك أولى أن تزيل ظلمة المعصية والكفر عن قلبك. وأيضا الإنسان إذا استوقد سراجا فإنه لا يزال يتعهده ويمده، والله تعالى هو الموقد لسراج المعرفة وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ [الحجرات:

٧] أفلا يمده وهو معنى قوله رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي. وأيضا إذا كان في البيت سراج فإن اللص لا يقرب منه، وإنه سبحانه قد أوقد سراج المعرفة في قلبك فكيف يقرب الشيطان منه رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وأيضا المجوس إذا أوقدوا نارا لا يجوزون إطفاءها، فالملك القدوس إذا أوقد سراج المعرفة في قلبك كيف يرضى بإطفائها رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي.

السابعة: أنه سبحانه أعطى قلب المؤمن تسع كرامات أحدها أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ [الأنعام: ١٢٢]

وقال صلى الله عليه وسلم: «من أحيا أرضا ميتة فهي له»

فيعلم أنه لما خلق أرض القلب فأحياها بنور الإيمان لا يكون لغيره فيها نصيب. وثانيها الشفاء وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ [التوبة: ١٤] وفيه أنه إذا وضع الشفاء في العسل بقيت تلك الخاصية فيه أبدا. فإذا وضع الشفاء في الصدر فكيف لا يبقى أبدا؟ وثالثها الطهارة أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى [الحجرات: ٣] وفيه أن الصائغ إذا امتحن الذهب فبعد ذلك لا يدخله في النار، فالله تعالى لما امتحن قلب المؤمن كيف يدخله النار بعده؟ ورابعها الهداية وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن: ١١] وفيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>