«السلام عليك أيها النبي» فقال: السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين،
فلا جرم يقول يوم القيامة
«أمتي أمتي»
وشتان ما بين نبي يتضرع إلى الله ويقول رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وبين نبي يخاطب أولا بقوله أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ [الشرح: ١] . ولا يخفى أن المراد بالشرح والتيسير عند أهل السنة هو خلقهما، وعند المعتزلة تحريك الدواعي والبواعث بفعل الألطاف المسهلة، فإنه يحتمل أن يكون هناك من الألطاف ما لا يحسن فعلها إلا بعد هذا السؤال.
أما قوله سبحانه وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي فاعلم أن النطق فضيلة عظيمة وموهبة جسيمة ولهذا قال خَلَقَ الْإِنْسانَ عَلَّمَهُ الْبَيانَ [الرحمن: ٣، ٤] بغير توسط العاطف كأنه إنما يكون خالقا للإنسان إذا علمه البيان. وفي لسان الشاعر وهو زهير:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم.
وعن علي كرم الله وجهه: ما الإنسان لولا اللسان إلا صورة مصورة أو بهيمة مهملة.
وقالت العقلاء: المرء بأصغريه. المرء مخبوء تحت لسانه. وفي مناظرة آدم والملائكة لم تظهر الفضيلة إلا بالنطق. ومن التعريفات المشهورة: إن الإنسان هو الحيوان الناطق، وهذا النطق وإن كان في التحقيق هو إدراك المعاني الكلية لكن النطق اللساني لا ريب أنه أظهر خواص الآدمي وقد نيط به أمر تمدنه والتعبير عما في ضميره فقول موسى رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي إشارة إلى طلب النور الواقع في القلب، وقوله وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي رمز الى تسهيل ذلك التحصيل، وقوله وَاحْلُلْ طلب لسهولة أسباب التكميل لأن اللسان آلة إلا فاضة والإفادة وبه يتيسر ذلك الخطب الجسيم والمنصب العظيم.
وحسبك يا فتى شرفا وفخرا ... سكوت الحاضرين وأنت قائل
ومن الناس من مدح الصمت بوجوه منها:
قوله صلى الله عليه وسلم «الصمت حكمة وقليل فاعله»
وقولهم: مقتل الرجل بين فكيه. وفي نوابغ الكلم: يا بني ق فاك لا تقرع قفاك. ومنها أن الكلام خمسة أقسام: فالذي ضرره خالص أو غالب أو مساو للنفع واجب الترك احترازا من السفه والعبث، والذي نفعه خالص أو غالب عسر المراعاة فالأولى تركه. ومنها أنه ما من موجود أو معدوم معلوم أو موهوم إلا واللسان يتناوله بإثبات أو نفي بحق أو بباطل، بخلاف سائر الأعضاء. فالعين لا تصل إلا إلى الألوان والسطوح، والأذن لا تصل إلا إلى الأصوات والحروف، واليد لا تصل إلا إلى الأجسام،