وكذا باقي الجوارح. أما اللسان فإنه رحب الميدان واسع المضطرب خفيف المئونة سهل التناول لا يحتاج إلى آلات وأدوات للمعصية به فكان الأولى ترك الكلام وإمساك اللسان.
والإنصاف ان الصمت في نفسه ليس بفضيلة لأنه أمر عدمي والنطق في نفسه فضيلة، وإنما يصير رذيلة لأسباب عرضية مما عددها ذلك القائل فيرجع الحق إلى ما
قاله النبي صلى الله عليه وسلم «رحم الله امرأ قال خيرا فغنم أو سكت فسلم»
قالوا: ترك الكلام له أربعة أسماء: الصمت وهو أعمها حتى إنه يستعمل فيما ليس يقوى على النطق كقولهم «مال ناطق أو صامت» . والسكوت وهو ترك الكلام ممن يقدر على الكلام والإنصات هو السكوت مع استماع قال تعالى فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا [الأعراف: ٢٠٤] والإصاخة وهو الاستماع إلى ما يصعب إدراكه كالسر والصوت من المكان البعيد. أما العقدة فقيل: إنها كانت في أصل خلقته وعن ابن عباس أنه في حال صباه أخذ بلحية فرعون ونتفها فهم فرعون بقتله وقال: هذا هو الذي يزول ملكي على يده فقالت آسية: إنه صبي لا يعقل وإن شئت فامتحنه بالتمرة والجمرة. وقيل: بالياقوت والجمر. فأحضرا بين يديه فأراد مد اليد إلى الياقوت فحول جبرائيل يده إلى الجمرة فأخذها ووضعها في فيه فظهر به تعقد وتحبس عن بعض الحروف. فإن صحت هذه الرواية فالنار إنما أحرقته وأثرت فيه إطفاء لثائرة غضب فرعون وإلا فالله سبحانه قادر على دفع الإحراق عن طبع النار كما في حق إبراهيم صلوات الرحمن عليه، وكما في حق موسى حين ألقي في التنور.
ويروى أن يده احترقت أيضا وأن فرعون اجتهد في علاجها فلم يبرأ ولما دعاه قال: الي أيّ رب تدعوني؟ قال:
إلى الذي أبرأ يدي وقد عجزت عنها.
وعن بعض العلماء أنه لم تبرأ يده لئلا ينعقد بينه وبين فرعون حرمة المؤاكلة من قصعة واحدة. وقيل: لم تحرق يده لأن الصولة ظهرت باليد، وإنما احترق اللسان لأنه خاطبه بقوله «يا أبت» .
وما الحكمة في طلب حل العقدة؟ الأظهر كيلا يقع في أداء الرسالة خلل فلهذا قال يَفْقَهُوا قَوْلِي وقيل: لأن العقدة في اللسان قد تقتضي الاستخفاف بالقائل وعدم الالتفات إليه. وقيل: إظهارا للمعجزة فكما أن حبس لسان زكريا عن الكلام كان معجزا له فكذا إطلاق لسان موسى كان معجزا في حقه. وهل زالت تلك العقدة بالكلية؟ فعن الحسن نعم لقوله قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يا مُوسى والأصح أنه بقي بعضها لقوله تعالى حكاية عن فرعون أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ [الزخرف: ٥٢] أي يقارب أن لا يبين.
وكان في لسان الحسين بن علي رضي الله عنه رتة أي عجمة في الكلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ورثها من عمه موسى.