فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ [القصص: ١٦] وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً مصدر على «فعول» في المتعدي كالشكور والكفور، أو جمع فتن كالظنون للظن، أو جمع فتنة على ترك الاعتداد بتاء التأنيث كبدور في بدرة، وحجوز في حجزة، والفتنة المحنة والابتلاء بخير أو شر قال تعالى وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [الأنبياء: ٣٥] وفيها معنى التخليص من قولهم «فتنت الذهب» إذا أردت تخليصه. عن سعيد بن جبير أنه سأل ابن عباس عن الفتون فقال: أي خلصناك من محنة بعد محنة. ولد في عام كان يقتل فيه الولدان، وألقته أمه في البحر، وهمّ فرعون بقتله، وقتل قبطيا، وأجر نفسه عشر سنين، وضل الطريق، وتفرقت غنمه في ليلة مظلمة، وكان يقول عند كل واحدة فهذه فتنة يا ابن جبير. قال العلماء: لا يجوز إطلاق اسم الفتان على الله تعالى وإن جاء وَفَتَنَّاكَ لأنه صفة ذم في العرف وستجيء قصة لبثة في أهل مدين وأنه على ثمان مراحل من مصر في سورة القصص إن شاء العزيز. قوله عَلى قَدَرٍ أي في وقت سبق في قضائي وقدري أن أكلمك وأستنبئك فيه، أو على مقدار من الزمان يوحى فيه إلى الأنبياء وهو رأس أربعين سنة، أو على موعد قد عرفته بأخبار شعيب أو غيره. والصنع بالضم مصدر صنع إليه معروفا أو قبيحا أي فعل، والاصطناع «افتعال» منه واستعماله في الخير أكثر، واصطنع فلان فلانا إذا اتخذه صنيعة، واصطنعت فلانا لنفسي إذا اصطنعته وخرجته ومعناه أحسنت إليه حتى إنه يضاف إليّ. وقوله لِنَفْسِي أي لأصرفن جوامع همتك في أو امري حتى لا تشتغل بغير ما أمرتك به من تبليغ الرسالة وإقامة الحجة. وقال جار الله: مثل حاله بحال من يراه بعض الملوك أهلا للتقريب والتكريم لخصائص فيه فيصطنعه بالكرامة ويستخلصه لنفسه فلا يبصر إلا بعينه ولا يسمع إلا بأذنه ولا يأتمن على مكنون سره سواه. وقال غيره من المعتزلة: إنه سبحانه إذا كلف عباده وجب عليه أن يلطف بهم، ومن حمله الألطاف ما لا يعلم إلا سمعا، فلو لم يصطنعه للرسالة لبقي في عهدة الواجب فهذا أمر فعله الله لأجل نفسه حتى يخرج عن عهدة ما يجب عليه.
ولما عد عليه المنن السابقة بإزاء الأدعية المذكورة رتب على ذكر ذلك أمرا ونهيا.
أما الأمر فقوله اذْهَبْ أَنْتَ وَأَخُوكَ وفيه بيان ما لأجله اصطنعه وهو الإبلاغ وأداء الرسالة. بِآياتِي أي مع آياتي لأنهما لو ذهبا بدونها لم يلزمه الإيمان وهذا من أقوى الدلائل على فساد التقليد. وما هذه الآيات غير العصا واليد لأنه لم يجر إلا ذكرهما فأطلق الجمع على الاثنين، أو لأن كلا منهما مشتملة على آيات أخر، أو لأنه يستدل بكل منهما على وجود إله قادر على الكل عالم بالكل وعلى نبوة موسى وعلى جواز الحشر حيث