فباعتباره المآل، أو لأنه لو ظهر له حاله لقتله فسبحان من يربي حبيبه في حجر عدوّه.
قالوا: كان بحضرة فرعون حينئذ أربعمائة غلام وجارية، فحين أشار بأخذ التابوت ووعد من يسبق إلى ذلك الإعتاق تسابقوا جميعا ولم يظفر بأخذه إلا واحد منهم فأعتق الكل.
والنكتة فيه أن عدوّ الله لم يجوز من كرمه حرمان البعض إذ عزم الكل على الأخذ، فأكرم الأكرمين كيف لا يعتبر عزائم المؤمنين على الطاعة والخير؟ فالمرجو منه إعتاق الكل من النار وإن وقع لبعضهم تقصير في العمل. قوله مِنِّي إما أن يتعلق ب أَلْقَيْتُ أو يكون صفة للمحبة أي محبة حاصلة مني وعلى الوجهين فالمحبة إما محبة الله ومن أحبه الله أحبته القلوب، وإما محبة الناس التي زرعها الله في قلوبهم، فقد يروى أنه كانت على وجهه مسحة جمال وفي عينيه ملاحة لا يكاد يصبر عنه من رآه. قال القاضي: هذا الوجه أقرب لأنه في الصغر لا يوصف بمحبة الله التي يرجع معناها إلى إيصال الثواب. ورد بأن محبة الله عبارة عن إرادة الخير والنفع وهو أعم من أن يكون جزاء على العمل أو لا يكون ولهذا بين المحبة بقوله وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي أي لتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعى الشيء بالعينين إذا عني بحفظه، ولما كان العالم بالشيء حارسا له عن الآفات كما أن الناظر إليه يحرسه أطلق لفظ العين على العلم لاشتباههما من هذا الوجه.
وأيضا العين سبب الحراسة فأطلق السبب وأريد المسبب، ويقال: عين الله عليك إذا دعي له بالحفظ والحياطة، فالجار والمجرور في موضع الحال من ضمير المبني للمفعول في لِتُصْنَعَ وجوز في الكشاف أن يكون إِذْ تَمْشِي ظرفا لِتُصْنَعَ وليس بذلك وإنما هو ظرف ب أَلْقَيْتُ أو بدل من إِذْ أَوْحَيْنا على الوقتين من زمان واحد واسع يقول الرجل: لقيت فلانا سنة كذا، ثم تقول وأنا لقيته إذ ذاك وربما لقيه هو في أولها وأنت في آخرها.
يروى أنه لما فشا الخبر أن آل فرعون أخذوا غلاما في اليم وأنه لا يرتضع من ثدي امرأة كما قال سبحانه وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ [القصص: ١٢] جاءت أخت موسى عليه السلام واسمها مريم متنكرة فقالت هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى مَنْ يَكْفُلُهُ فجاءت بالأم فقبل ثديها وذلك قوله فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ وقال في القصص فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ [القصص: ١٣] تصديقا لقوله إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ [القصص: ٧] كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها بلقائك وَلا تَحْزَنَ بسبب وصول لبن غيرها إلى معدتك وَقَتَلْتَ وأنت ابن اثنتي عشرة سنة نَفْساً هو القبطي الذي يجيء ذكره في القصص فَنَجَّيْناكَ مِنَ الْغَمِّ وهو اقتصاص فرعون منك.
وقيل: الغم هو القتل بلغة قريش، أو أراد بالغم خوف عقاب الله وذلك قوله