وأما من قرأ «إن» بالتشديد وهذانِ بالألف فأورد عليه أن «إن» لم يعمل في المثنى.
وأجيب بأنه على لغة الحرث بن كعب وخثعم وبعض بني عذرة، ونسبها الزجاج إلى كنانة، وابن جني إلى بعض بني ربيعة، جعلوا التثنية كعصا وسعدى مما آخره ألف فلم يقلبوها ياء في الجر والنصب. وقيل:«إن» بمعنى «نعم» واعترض أن ما بعده حينئذ يصير كقوله:
أم الحليس لعجوز شهربة ولا يجوز مثله إلا في ضرورة الشعر. وإنما موضع لام الابتداء في السعة هو المبتدأ. والجواب أن القرآن حجة على غيره، وذكر الزجاج في جوابه أن التقدير لهما ساحران فاللام داخلة على صدر الجملة الصغرى. قال: وقد عرضت هذا القول على محمد بن يزيد وعلي وإسماعيل بن إسحق فارتضاه كل منهم وذكروا أنه أجود ما سمعنا في هذا الباب، وضعفه ابن جنى بأن المبتدأ إنما يجوز حذفه لو كان أمرا معلوما جليا وإلا كان تكليفا بعلم الغيب للمخاطب، وإذا كان معروفا فقد استغنى بمعرفته عن تأكيده باللام. وأيضا إن الحذف من باب الاختصار والتأكيد من باب الإطناب، فالجمع بينهما محال مع أن ذكر المؤكد وحذف التأكيد أحسن في العقول من العكس. وأيضا امتنع البصريون من جعل النفس في قولك:«زيد ضرب نفسه» تأكيدا للمستكن فدل ذلك على أن تأكيد المنوي غير جائز. وأيضا لو كان ما ذهب إليه الزجاج جائزا لحمل النحويون قول الشاعر على ذلك ولم يحملوه على الاضطرار، ولمن تبصر قول الزجاج أن يجيب عن الأول بأن التأكيد إنما هو لنسبة الخبر إلى المبتدأ لا للمبتدأ وحده، ولو سلم فذكر اللام يدل على المبتدأ المنوي وذكر المبتدأ لا يدل على التأكيد فكان حذف المبتدأ أولى. وعن الثاني بأن الكلام قد يكون موجزا من وجه مطنبا من وجه آخر فلا منافاة، وإنما المنافاة إذا كانت الجهتان واحدة. وعن الثالث بأنهم امتنعوا من حمل النفس على التأكيد في المثال المذكور لأنهم رأوا أن إسناد الفعل إلى المظهر أولى من إسناده إلى المضمر، لا لأن تأكيد المنوي ممتنع على أنا بينا أن المؤكد ليس بمحذوف في الآية مطلقا فإن أحد طرفي الكلام مذكور. وعن الرابع بأن ذهول المتقدمين عن هذا الوجه لا يقتضي كونه باطلا فكم ترك الأول للآخر.
ولنرجع إلى التفسير قال الفراء: الطريقة اسم لوجوه الناس وأشرافهم الذين هم قدوة لغيرهم. ويقال: هم طريقة قومهم وهو طريقة قومه، قبح أمر موسى في أعين الحاضرين