إقامة الحد، وحينئذ يكون منكرا للدين فلهذا يخرج من الإيمان.
وفي الحديث «يؤتي بوال نقص من الحد سوط فيقال له: لم فعلت ذاك؟ فيقول: رحمة لعبادك. فيقول له: أنت أرحم بهم مني فيؤمر به إلى النار»
روى أبو عثمان النهدي قال: أتي عمر برجل في حد، ثم جيء بسوط فيه شدة فقال: أريد ألين من هذا. فأتي بسوط فيه لين فقال: أريد أشد من هذا. فأتي بسوط بين السوطين. وروي أن أبا عبيدة بن الجراح أتي برجل في حد فذهب الرجل ينزع قميصه وقال: ما ينبغي لجسد هذا المذنب أن يضرب وعليه قميص. فقال أبو عبيدة: لا تدعوه ينزع قميصه وضربه عليه. ولا خلاف في أن المرأة لا يجوز تجريدها بل يربط عليها ثيابها حتى لا تنكشف ويلي ذلك منها امرأة. وجوّز الشافعي الضرب على الرأس لما روي أن أبا بكر قال: اضرب على الرأس فإن الشيطان فيه. وقال أبو حنيفة: حكم الرأس حكم الوجه لأن الموضحة وسائر الشجاج حكمها في الرأس وفي الوجه واحد، وأما في سائر البدن فلا يجب إلا الحكومة. وأيضا إن ضرب الرأس يوجب في الأغلب ظلمة البصر ونزول الماء واختلاط العقل كالوجه فإنه أيضا عرضة للآفات وفيه الأعضاء الشريفة اللطيفة.
وللشافعي أن يقول: إنما يحترم الوجه لما جاء
في الحديث «إن الله تعالى خلق آدم على صورته»«١»
وهذا المعنى مفقود في الرأس. ولتكن إقامة الحد في وقت اعتدال الهواء إلا إذا كان رجما فإن المقصود- وهو قتله- لا يتفاوت بذلك. ولهذا يرجم المريض أيضا في مرضه. وقيل: إن كان مرضا يرجى برؤه يؤخر كما في الجلد لأنه ربما يرجع عن إقراره في حال الرجم وقد أثر الرجم في بدنه فتعين شدة الحر والبرد مع المرض على إهلاكه، وهذا بخلاف ما ثبت بالبينة فإنه لا يسقط. وفي الجلد إن كان المرض مما لا يرجى زواله كالسل والزمانة فلا يؤخر سواء زنى في حال الصحة أو في حال المرض ولكن لا يضرب بالسياط عند الشافعي، لأن المقصود ليس موته بل يضرب بعثكال عليه مائة شمراخ كما
روي أن مقعدا أصاب امرأة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم فأخذوا مائة شمراخ فضربوه بها ضربة واحدة.
والأثكال والعثكال الغصن الذي عليه فروع خفيفة من النخل أو من غيره. وعند أبي حنيفة يضرب بالسياط. ثم إن ثبت الزنا بإقراره فمتى رجع ترك وقع به بعض الحد أو لم يقع وبه قال أبو حنيفة والشافعي والثوري وأحمد وإسحق، لأن ماعزا لما مسته الحجارة هرب
فقال صلى الله عليه وسلم: هلا تركتموه.
وعن الحسن وابن أبي ليلى وداود أنه لا يقبل رجوعه. ويحفر للمرأة إلى صدرها حتى لا تنكشف ويرمى إليها، ولا يحفر للرجل كما في حق ما عز إذ لو كان في
(١) رواه البخاري في كتاب الاستئذان باب ١. مسلم في كتاب البر حديث ١١٥. أحمد في مسنده (٢/ ٢٤٤، ٢٥١) .