للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حكيما لا يفعل القبائح. ولا جواب للأشاعرة إلا أنه يشاء ما يشاء ولا اعتراض عليه. ثم بين بقوله إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أن أهل الإفك يشاركهم في عذاب الدارين من رضي بقولهم، وأنهم كما هم مؤاخذون بما أظهروه فهم معاقبون على ما أضمروه من محبة إشاعة الفاحشة والفحشاء في المؤمنين، لأنها تدل على الدغل والنفاق وعدم سلامة القلب. والفاحشة والفحشاء ما أفرط قبحه، وشيوعها انتشارها وظهورها بحيث يطلع عليها كل أحد وخصوص السبب لا يقتضي خصوص الحكم، فهذا الوعيد شامل لكل من أراد بواحد من المؤمنين أو المؤمنات شيئا من المضار والأذيات. وبعضهم حمل الفاحشة على الزنا وخصص من يحب شيوع الفاحشة بعبد الله بن أبي. وخصص الذين آمنوا بعائشة وصفوان، ولا يخفى ما فيه من ضيق العطن إلا أن يساعده نقل صحيح. وعذاب الدنيا الحد واللعن والذم وما على أهل النفاق من صنوف البلاء، ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي وحسانا ومسطحا، وقعد صفوان لحسان فضربه ضربة بالسيف وكف بصره. وعذاب الآخرة في القبر وفي القيامة هو النار.

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «إني لأعرف قوما يضربون صدورهم ضربا يسمعه أهل النار وهم الهمازون اللمازون الذين يلتمسون عورات المسلمين ويهتكون ستورهم ويشيعون عليهم من الفواحش ما ليس فيهم»

وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «لا يؤمن العبد حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» «١»

من الخير وأما قوله وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ففي نهاية حسن الموقع لأن الأعمال القلبية محبة الشر أو الخير لا يطلع عليها أحد كما هي إلا الله سبحانه. وإنما نعرف نحن شيئا منها بالقرائن والإمارات وفيه زجر عظيم لمن لا يجتهد في أن يكون قلبه سليما من النفاق والغل، وحصول هذا الغل في القلب غير العزم على الذنب فإن الأول ملكة والثاني حال، ولا يلزم من ترتب العقاب على الملكات ترتبه على الأحوال فافهم. قال أبو حنيفة:

المغتابة بالفجور لا تستنطق لأن استنطاقها إشاعة للفاحشة وإنها ممنوع عنها. وقالت المعتزلة: في الآية دليل على أنه تعالى غير خالق للكفر ولا مريد وإلا كان ممن يحب أن تشيع الفاحشة. ولقائل أن يقول: قياس الغائب على الشاهد فاسد. ثم كرر المنة بترك المعاجلة بالعقاب والتمكين من التلافي وبالغ فيها بذكر الرؤوف والرحيم. وجواب «لولا» محذوف على نسق ما مر. وقيل: جوابه ما يدل على ذلك في قوله ما زَكى مِنْكُمْ وهو بعيد. عن ابن عباس أن الخطاب لحسان ومسطح وحمنة والأقرب العموم. ثم نهى عن اتباع


(١) رواه مسلم في كتاب الإيمان حديث ٧١، ٧٢. البخاري في كتاب الإيمان باب ٧. الترمذي في كتاب القيامة باب ٥٩. النسائي في كتاب الإيمان باب ١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>