للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المقصود، وهذا قد جوزه الكعبي وغيره من البغداديين. وقال الأكثرون: الأقرب من حال الأنبياء أنهم يعلمون إذا حملهم الله تعالى الرسالة أنه يمكنهم من أدائها فلا معنى للخوف من القتل قبل الأداء. نعم لو خاف بعد الأداء جاز وذلك لما جبل عليه طبع الإنسان من التنفر عن القتل فيسأل الله الأمان من ذلك وقد جمع الله له بقوله كَلَّا الكلاءة وبقوله فَاذْهَبا استنباء أخيه كأنه قيل: ارتدع يا موسى عما تظن فاذهب أنت وهارون ومَعَكُمْ ومُسْتَمِعُونَ خبران لأن أو الخبر مُسْتَمِعُونَ ومَعَكُمْ متعلق به. ولا يخفى ما في المعية من المجاز لأن المصاحبة من صفات الأجسام، فالمراد معية النصرة والمعونة، وأما الاستماع فمجاز أيضا وإن كان إطلاق السمع على الله حقيقة لأن الاستماع جار مجرى الإصغاء ولا بد فيه من الجارحة. فحاصل الآية إنا لكما ولعدوّ كما كالناصر الظهير لكما عليه إذا حضر واستمع ما يجري بينكما وبينه. وإنما وحد الرسول في قوله نَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ

لأنه أراد كل واحد أو أراد الرسول بمعنى المصدر أي ذو رسالة رب العالمين. يقال: أرسلتهم برسول أي برسالة أو جعلا لاتفاقهما واتحاد مطلبهما كرسول واحد. وهاهنا إضمار دل عليه سياق الكلام أي فأتيا فرعون فقالا له ذلك.

يروى أنهما انطلقا إلى باب فرعون فلم يؤذن لهما سنة حتى قال البواب: إن هاهنا إنسانا يزعم أنه رسول رب العالمين. فقال: ائذن له لعلنا نضحك منه. فأديا إليه الرسالة فعرف أنه موسى

فعند ذلك قال أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينا وَلِيداً أي صبيا وذلك لقرب عهده من الولادة. قيل: مكث فيهم ثلاثين سنة من أول عمره. وقيل: وكز القبطي وهو ابن اثنتي عشرة سنة ففر منهم. والفعلة الوكزة عدد عليه نعمه، ثم وبخه بقتل نفس منهم وسماه كافرا لنعمه بسبب ذلك. وجوز جار الله أن يراد وأنت إذ ذاك ممن يكفر بالساعة فيكون قد افترى على موسى أو جهل أمره لأنه كان يعايشهم بالتقية. وإنما قلنا إنه افتراء أو جهل لأن الكفر غير جائز على الأنبياء ولو قبل النبوة، ويجوز أن يراد أنه من الكافرين بفرعون وإلهيته أو بآلهة كانوا يعبدونها. قال تعالى: وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ [الأعراف: ١٢٧] ثم إن موسى ما أنكر تربيته ولكن أنكر الكفر فلم ينسب نفسه إلا إلى الضلال وأراد به الذهاب عن الصواب، أو أراد النسيان أو الخطأ وعدم التدبر في أدبار الأمور. ثم ذكر موهبة ربه في حقه حين فر من فرعون وملئه المؤتمرين بقتله. والحكم العلم بالتوحيد وكمال العقل والرأي، ولا تدخل فيه النبوة ظاهرا لئلا يلزم شبه التكرار بقوله: وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ قال جار الله وَتِلْكَ إشارة إلى خصلة شنعاء مبهمة لا يدري ما هي إلا بعد أن فسرت بقوله أَنْ عَبَّدْتَ نظيره قوله وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ [الحجر: ٦٦] والمعنى تعبيدك بني إسرائيل نعمة تمنها عليّ كأنه أبى أن يسمي نعمته إلا نقمة لأن تعبيدهم أي تذليلهم واتخاذهم عبيدا وقصدهم. بذبح أبنائهم صار

<<  <  ج: ص:  >  >>