اللفظ ما يدل على اللزوم واللصوق وهو الواو، ثم زيد في التأكيد بقوله مَعْلُومٌ وبقوله ما تَسْبِقُ وهذا بخلاف قوله لَها مُنْذِرُونَ فإنها صفة حادثة فأطلقت وجود صدر الجملة عن الواو لذلك والله أعلم. ثم إنه لما احتج على صدق محمد صلى الله عليه وسلم بكون القرآن معجزا منزلا من رب العالمين مشتملا على معاني كتب الأولين وكان الكفار يقولون إنه من إلقاء الجن كحال الكهنة أراد أن يزيل شبهتهم بقوله: وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ وَما يَنْبَغِي لَهُمْ التنزل بالوحي وَما يَسْتَطِيعُونَ. ثم بين عدم اقتدارهم بقوله إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ أي عن سماع كلام أهل السماء لَمَعْزُولُونَ وذلك بواسطة رجم الشهب كما أخبر عنه الصادق والمعجزات يتساند بعضها ببعض، ولو فرض أنهم غير مرجومين بالشهب فالعقل يدل على أن الاهتمام بشأن الصديق أقوى منه بشأن العدو، وكان محمد صلى الله عليه وسلم يلعن الشياطين ويأمر الناس بلعنهم فلو كان الغيب بإلقاء الشياطين لكان الكفار أولى بأن يحصل لهم ذلك. وحين أثبت حقية القرآن أمر نبيه بجوامع مكارم الأخلاق ومحاسن العادات قائلا فَلا تَدْعُ والمراد أمته كما مر في نظائره من قوله وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ [البقرة:
١٢٠] وغير ذلك وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ فيه أن الاهتمام بشأن من هو أقرب إلى المرء أولى. وفيه أنه يجب أن لا يأخذه في باب التبليغ ما يأخذ القريب للقرب من المساهلة ولين الجانب.
يروى أنه صلى الله عليه وسلم لما نزلت الآية صعد الصفا فنادى الأقرب فالأقرب فخذا فخذا وقال: يا بني عبد المطلب يا بني هاشم يا بني عبد مناف يا عباس عم النبي يا صفية عمة رسول الله، إني لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من المال ما شئتم.
وروي أنه جمع بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلا، الرجل منهم يأكل الجذعة ويشرب العس على رجل شاة، فأكلوا وشربوا حتى شبعوا ثم أنذرهم فقال: يا بني عبد المطلب لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلا أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد.
قوله وَاخْفِضْ جَناحَكَ قد مر تفسيره في آخر «الحجر» وفي «سبحان» وزاد هاهنا لِمَنِ اتَّبَعَكَ كيلا يذهب الوهم إلى أن خفض الجناح وهو التواضع ولين الجانب مختص بالمؤمنين من عشيرته. وإنما لم يقتصر على قوله لِمَنِ اتَّبَعَكَ لأن كثيرا منهم كانوا يتبعونه للقرابة والنسب لا للدين. وقال في الكشاف: سبب الجمع بين اللفظين هو أنه سماهم قبل الدخول في الإيمان مؤمنين لمشارفتهم ذلك، أو أراد بالمؤمنين المصدّقين بالألسنة فزاد قوله لِمَنِ اتَّبَعَكَ ليخرج من صدّق باللسان دون الجنان، أو صدق بهما ولم يتبعه في العمل. وحين أمره بالتواضع لأهل الإخلاص في الإيمان أمره بالتبرئة من أرباب العصيان. فاستدل الجبائي به على أن الله تعالى أيضا بريء من عملهم فكيف يكون فاعلا له؟! وأجيب بأنه إن أراد ببراءة الله أنه ما أمر بها فمسلم، وإن أراد أنه لا