يريدها فممنوع لانتهاء جميع الحوادث إلى إرادته ضرورة قوله وَتَوَكَّلْ معطوف على قوله فَلا تَدْعُ أو على قوله فَقُلْ أمره بتفويض الأمر في دفع أعاديه إلى العزيز الذي يقهر من ناوأ أولياءه الرحيم الذي لا يخذل من ينصر دينه. قال بعض العلماء: المتوكل من إن دهمه أمر لم يحاول دفعه عن نفسه بما فيه معصية الله عز وجل، ولو وقع في محنة واستعان في دفعها ببعض المخلوقين لم يخرج من حد المتوكلين، ثم عدد مواجب الرحمة وهي رؤيته قيامه وتقلبه في الساجدين أي في المصلين. وللمفسرين فيه وجوه منها: ما
روي أنه حين نسخ فرض التهجد طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه حرصا عليهم وعلى ما يوجد منهم من فعل الطاعات فوجدها كبيوت الزنابير ذكرا وتلاوة.
فالمراد بتقلبه في الساجدين تصفح أحوال المتهجدين من أصحابه ليطلع عليهم كيف يعملون لآخرتهم. ومنها أن المراد تصرفه فما بين المؤمنين به بالقيام والركوع والسجود والقعود. ويروى عن مقاتل أنه استدل به على وجود فضل صلاة الجماعة في القرآن. ومنها أنه إشارة إلى ما
جاء في الحديث «أتموا الركوع والسجود فو الله إني لأراكم من خلف ظهري»
فالتقلب تقلب بصره فيمن يصلي خلفه.
وقيل: أراد أنه لا يخفى علينا كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين. وقد احتج بالآية علماء الشيعة على مذهبهم أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم لا يكونون كفارا. قالوا: أراد تقلب روحه من ساجد إلى ساجد كما
في الحديث المعتمد عليه عندهم «لم أزل أنتقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات»
وناقشهم أهل السنة في التأويل المذكور وفي صحة الحديث. والأصوب عندي أن لا نشتغل بمنع أمثال هذه الدعوى ونسرح إلى بقعة الإمكان على أنه لا يلزم من عدم الدليل عدم المدلول.
ثم أكد قوله وما تنزلت به الشياطين بقوله هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ قال في الكشاف: تقديره أعلى من تنزل؟ ليكون الاستفهام في صدر الكلام كقولك: أعلى زيد مررت؟ قلت: هذا تكلف بارد لأن الاستفهام في «من» ضمني لا يصرح به قط. والأفاك الكثير الإفك، والأثيم مبالغة آثم وهم الكهنة والمتنبئة كسطيح ومسيلمة وأمثالهما. والضمير في يُلْقُونَ عائد إلى الشياطين كانوا قبل الرجم بالشهب يختطفون بعض الغيوب من الملأ الأعلى بإلقاء السَّمْعَ أي بالإصغاء ثم يرجعون به إلى أوليائهم وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ لأنهم يخلطون الحق المسموع بكلامهم الباطل كما
جاء في الحديث «الكلمة يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه فيزيد فيها أكثر من مائة كذبة» .
والقر الصب. وقيل: السمع بمعنى المسموع أي يلقي الشياطين إلى أوليائهم ما يسمعونه من الملائكة. ويحتمل أن يكون الضمير في:
يُلْقُونَ للأفاكين والسمع الأذن أو المسموع أي يلقون السمع إلى الشياطين فيتلقون