للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واسمها بلقيس بنت شراحيل ملك اليمن كابرا عن كابر إلى تبع الأول، ولم يكن له ولد غيرها فورثت الملك وكانت هي وقومها مجوسا عبدة الشمس. والضمير في تَمْلِكُهُمْ يعود إلى سبأ إن أريد به القوم وإلى الأهل المحذوف إن أريد به المدينة. وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أي بعض كل ما يتعلق بالدنيا من الأسباب. وَلَها عَرْشٌ عَظِيمٌ كأنه استعظم لها ذلك مع صغر حالها إلى حال سليمان، أو استعظمه في نفسه لأنه لم يكن لسليمان مثله مع علو شأنه، وقد يتفق لبعض الأمراء شيء لا يكون مثله لمن فوقه في الملك، وقد يطلع بعض الأصاغر على مسألة لم يطلع عليها أحد كما اطلع الهدهد على حال بلقيس دون سليمان. ووصف عرش الله بالعظم إنما هو بالإضافة إلى سائر ما خلق من السموات والأرض. يحكى من عظم شأنه أنه كان مكعبا ثلاثين في ثلاثين أو ثمانين وكان من ذهب وفضة مكللا بأنواع الجواهر وكذا قوائمه، وعليه سبعة أبيات على كل بيت باب مغلق، قال بعض المعتزلة: في قوله وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ دليل على أن المزين للكفر والمعاصي هو الشيطان. وأجيب بأن قول الهدهد لا يصلح للحجة والتحقيق فيه قد مر ولا يبعد أن يلهم الله الهدهد وجوب معرفته والإنكار على من يعبد غيره خصوصا في زمن سليمان عليه السلام.

قوله أَلَّا يَسْجُدُوا من قرأ بالتشديد على أن الجار محذوف فإن كان متعلقا بالصد فالتقدير صدهم لأن أَلَّا يَسْجُدُوا وإن كان متعلقا ب لا يَهْتَدُونَ ف أَلَّا مزيدة أي لا يهتدون إلى أن يسجدوا. ومن قرأ بالتخفيف فقوله أَلَّا حرف تنبيه ويا حرف النداء والمنادى محذوف والتقدير: ألا يا قوم اسجدوا كقوله:

ألا يا أسلمي يا دارميّ على البلى ... ولا زال منهلا بجرعائك القطر

قال الزجاج: السجدة في الآية على قراءة التخفيف دون التشديد. والحق عدم الفرق لأن الذم على الترك كالأمر بالسجود في الاقتضاء. والخبء مصدر بمعنى المخبوء وهو النبات والمطر وغيرهما مما خبأه الله عز وجل من غيوبه، ومن جملة ذلك اطلاع الكواكب من أفق الشرق بعد اختفائها في أفق الغرب، ومنها الأقضية والأحكام والوحي والإلهام، ومنها إنزال الملك وكل أثر علوي. وفي تخصيص وصف الله تعالى في هذا المقام بإخراج الخبء إشارة إلى ما عهده الهدهد من قدرة الله تعالى في إخراج الماء من الأرض، ألهمه هذا التخصيص كما ألهمه تلك المعرفة. ولما انجر كلام الهدهد إلى هذه الغاية قالَ سليمان سَنَنْظُرُ أي نتأمل في صفحات حالك أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ وهذا أبلغ من أن لو قال له

<<  <  ج: ص:  >  >>