للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«كذبت» لأنه إذا كان معروفا بالكذب كان متهما في كل ما أخبر به. ثم ذكر كيفية النظر في أمره فقال اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ لم يقل إليها لأنه كان قد قال وَجَدْتُها وَقَوْمَها فكأن سليمان قال: فألقه إلى الذين هذا دينهم اهتماما فيه بأمر الدين. ولمثل هذا قال في الكتاب أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ ومعنى ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ تنح عنهم إلى مكان قريب تتوارى فيه تسمع ما يقولون يَرْجِعُونَ من رجع القول كقوله يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ الْقَوْلَ [سبأ: ٣١]

يروى أنها كانت إذا رقدت غلقت الأبواب ووضعت المفاتيح تحت رأسها، فدخل من كوة وطرح الكتاب على حجرها وهي مستلقية نائمة.

وقيل: نقرها فانتبهت فزعة. وقيل: أتاها والجنود حواليها من فوق والناس ينظرون حتى رفعت رأسها فألقى الكتاب في حجرها. وقيل: كان في البيت كوة تقع الشمس فيها كل يوم فإذا نظرت إليها سجدت فجاء الهدهد فسد تلك الكوة بجناحيه، فلما رأت ذلك قامت إليه فألقى الكتاب إليها. وهاهنا إضمار أي فذهب فألقى ثم توارى ثم كأن سائلا سأل فماذا قالت بلقيس؟ فقيل قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ مصدر بالتسمية أو حسن مضمونه أو هو من عند ملك كريم أو هو مختوم.

يروى أنه طبع الكتاب بالمسك وختمه بخاتمه وقال صلى الله عليه وسلم «كرم الكتاب ختمه» .

وعن ابن المقفع: من كتب إلى أخيه كتابا ولم يختمه فقد استخف به. ثم إن سائلا كأنه قال لها ممن الكتاب وما هو؟ فقالت إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ كيت وكيت.

سؤال: لم قدم سليمان اسمه على اسم الله؟ والجواب أنها لما وجدت الكتاب على وسادتها ولم يكن لأحد إليها طريق ورأت الهدهد علمت أنه من سليمان وحين فتحت الكتاب رأت التسمية، ولذلك قالت ما قالت، أو لعل سليمان كتب على عنوان الكتاب إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ فقرأت عنوانه أوّلا ثم أخبرت بما في الكتاب. أو لعل سليمان قصد بذلك أنها لو شتمت لأجل كفرها حصل الشتم لسليمان لا لله تعالى. و «أن» في أَنْ لا تَعْلُوا مفسرة لما ألقي إليها أي لا تتكبروا كما تفعل الملوك.

يروى أن نسخة الكتاب: من عبد الله سليمان بن داود إلى بلقيس ملكة سبأ: السلام على من اتبع الهدى. أما بعد، فلا تعلوا علي وأتوني مسلمين.

وكان كتب الأنبياء عليهم السلام جملا وأنه مع وجازته مشتمل على تمام المقصود لأن قوله بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مشتمل على إثبات الصانع وصفاته، والباقي نهي عن الترفع والتكبر وأمر بالانقياد للتكاليف، كل ذلك بعد إظهار المعجز برسالة الهدهد. قوله قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ استئناف آخر وهكذا إلى تمام القصة. ومعنى أَفْتُونِي أشيروا عليّ بما يحدث لكم من الرأي. والفتوى الجواب في الحادثة وأصلها من الفتاء في

<<  <  ج: ص:  >  >>