للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخافض كقوله وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ [الأعراف: ١٥٥] أو على أنه ظرف مكان مجازا كأن النظر استقر في المعيشة، أو على حذف المضاف أي بطرت أيام معيشتها كخفوق النجم، أو بتضمين بطرت معنى كفرت وعطلت، والبطر سوء احتمال الغنى وهو أن لا يحفظ حق الله فيه. ومعنى إِلَّا قَلِيلًا قال ابن عباس: أي لم يسكنها إلا المسافر ومارّ الطريق يوما أو ساعة. ويجوز أن يكون شؤم معاصيهم بقي في ديارهم فكل من سكنها من أعقابهم لم يسكن إلا قليلا. وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ كقوله وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ [آل عمران: ١٨٠] لأنه الباقي بعد فناء خلقه. ثم كان لسائل أن يقول: ما بال الكفرة قبل مبعث محمد صلى الله عليه وسلم لم يهلكوا مع تماديهم في الغي؟ فقال وَما كانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّها أي في القرية التي هي قصبتها وأصلها وغيرها من توابعها وأعمالها رَسُولًا يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِنا بوحي وتبليغ وذلك لتأكيد الحجة وقطع المعذرة. قال في الكشاف: يحتمل أن يراد وما كان في حكم الله وسابق قضائه أن يهلك القرى في الأرض حتى يبعث في أم القرى- يعني مكة- رسولا وهو محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء. وكان لقائل أن يقول: ما بال الكفار بعد مبعث محمد لم يهلكهم الله مع تكذيبهم وجحودهم فقال وَما كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرى إِلَّا وَأَهْلُها ظالِمُونَ

بالشرك وأهل مكة ليسوا كذلك فمنهم من قد آمن ومنهم من سيؤمن ومنهم من يخرج من نسله من يؤمن. ثم أجاب عن شبهتهم بجواب ثالث وذلك أن حاصل شبهتهم أن قالوا: تركنا الدين لأجل الدنيا. فبين تعالى بقوله وَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ الآية. أن ذلك خطأ عظيم لأن ما عند الله خير وأبقى لأنه أكثر وأدوم. ونبه على جهلهم بقوله أَفَلا تَعْقِلُونَ ويرحم الله الشافعي حيث قال: إذا أوصى بثلث ماله لأعقل الناس صرف ذلك الثلث إلى المشتغلين بطاعة الله تعالى، لأن أعقل الناس من أعطى القليل وأخذ الكثير. نظير الآية

قوله صلى الله عليه وسلم «الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت» «١» .

قال البرهان: إنما السورة «وما أوتيتم» الواو وفي الشورى فَما أُوتِيتُمْ [الآية: ٣٦] بالفاء لأنه لم يتعلق بما قبله هاهنا كثير تعلق، وقد تعلق في الشورى بما قبلها أشد تعلق، ولأنه عقب ما لهم من المخافة ما أوتوه من الأمنة والفاء حرف التعقيب والواو والمجرد العطف. وإنما زاد في هذه السورة وَزِينَتُها.

لأن المراد هاهنا جميع أعراض الدنيا من الضرورات ومن الزين، فالمتاع ما لا غنى عنه من المأكول والمشروب والملبوس والمسكن والمنكوح، والزينة وغيرها كالثياب الفاخرة والمراكب الرائعة والدور المشيدة. وأما في «الشورى» فلم يقصد الاستيعاب بل ما هو


(١) رواه الترمذي في كتاب القيامة باب ٢٥. ابن ماجة في كتاب الزهد باب ٣١. أحمد في مسنده (٤/ ١٢٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>