مطلوبهم في تلك الحالة من النجاة والأمن في الحياة فلم يحتج إلى ذكر الزينة. ثم زاد البيان المذكور تأكيدا بقوله أَفَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ لأن وعد الله يترتب عليه الإنجاز البتة وصاحبه يلقى الموعود لا محالة. وتقدير الكلام: أبعد التفاوت المذكور بين ما عند الله وبين متاع الحياة الدنيا يسوّي بين أهل الجنة وبين أبناء الدنيا؟ ومعنى «ثم» في قوله ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تراخي حال الإحضار عن حال التمتع، لا تراخي وقته عن وقته. وتخصيص لفظ الْمُحْضَرِينَ بالذين أحضروا للعذاب أمر عرف من القرآن. قال الله تعالى لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [الصافات: ٥٧] فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ [الصافات: ١٢٧] ويمكن أن يقال: إن في اللفظ إشعارا به لأن الإحضار مشعر بالتكليف والإلزام وذلك لا يليق بمجالس اللذة والأنس وإنما يليق بمواضع الإكراه والوحشة. قيل: نزلت في النبي صلى الله عليه وسلم وأبي جهل. وقيل:
في علي وحمزة وأبي جهل. وقيل: في عمار بن ياسر والوليد بن المغيرة. ثم ذكر من وصف القيامة قائلا وَيَوْمَ يُنادِيهِمْ أي فاذكر ذلك اليوم. ومعنى الاستفهام في أَيْنَ التوبيخ والتهكم. ومفعولا تَزْعُمُونَ محذوفان تقديره تزعمونهم شركائي. قالَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ أي وجب وثبت وهو مفهوم لأملأن جهنم وهم الشياطين ورؤساء الكفر.
وهؤُلاءِ مبتدأ والَّذِينَ أَغْوَيْنا صفته والعائد إلى الموصول محذوف والخبر أَغْوَيْناهُمْ والتقدير: هؤلاء الذين أغويناهم أغويناهم فغووا غيا مثل ما غوينا. قال أهل السنة: أرادوا كما أن فوقنا مغوين أغوونا بقسر وإلجاء فنحن أيضا أغويناهم بالوسوسة والتسويل وبكل ما أمكن حتى غووا. وقالت المعتزلة: يعنون أنا ما غوينا إلا باختيارنا فكذلك هم ما غووا إلا باختيارهم وإن إغواءنا ما ألجأهم إلى الغواية بل كانوا مختارين في الإقدام على تلك العقائد والأعمال فيكون كما حكي عن الشيطان وَما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي [إبراهيم: ٢٢] ثم قالوا تَبَرَّأْنا إِلَيْكَ منهم ومن عقائدهم وأعمالهم ما كانُوا إِيَّانا يَعْبُدُونَ إنما كانوا يعبدون هؤلاء أهواءهم الفاسدة.
وإخلاء الجملتين من العاطف لكونهما مقررتين لمعنى الجملة الأولى.
وحين حكى التوبيخ المذكور ثم ما يقوله الشياطين أو أئمة الكفر اعتذارا ذكر ما يشبه الشماتة بهم من استغاثتهم آلهتهم وخذلانهم لهم وعجزهم عن نصرتهم وهو قوله: وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ زعم جم غفير من المفسرين أن جواب «لو» محذوف. فقال الضحاك ومقاتل: يعني المتبوع والتابع يرون العذاب ولو أنهم كانوا يهتدون في الدنيا ما أبصروه في الآخرة ولعلموا أن العذاب حق، أو لو كانوا يهتدون بوجه من وجوه الحيل لدفعوا به العذاب. وقيل: أراد ورأوا العذاب لو كانوا يبصرون شيئا ولكنهم صاروا