للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جوابا في الحقيقة ولكنه كقولهم «عتابك السيف» . وفيه بيان جهالتهم أنهم وضعوا الوعيد موضع الائتمار للنصيحة والإذعان للحق. ثم بين أنهم اتفقوا على تحريقه فأنجاه من النار.

والقصة مذكورة في سورة الأنبياء. إِنَّ فِي ذلِكَ الإنجاء لَآياتٍ جمع الآية لعظم تلك الحالة كقوله إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً [النحل: ١٢٠] أو لأنها مشتملة على أحوال عجيبة كالرمي من المنجنيق من غير أن لحق به ضرر، وكما يروى أن النار صارت عليه روحا وريحانا إلى غير ذلك. وإنما قال في قصة نوح عليه السلام وَجَعَلْناها آيَةً [العنكبوت:

١٥] ولم يذكر الجعل هاهنا لأن الخلاص من مثل تلك النار آية في نفسه، وأما السفينة فقد جعلها الله آية بأن أحدث الطوفان وصانها عن الغرق، ويمكن أن يقال: إن الصون عن النار أعجب من الصون عن الماء فلذلك وحد الآية هناك وجمعها هاهنا. وإنما قال هناك آيَةً لِلْعالَمِينَ [العنكبوت: ١٥] وهاهنا لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ لأن تلك السفينة بقيت أعواما حتى مرّ عليها الناس ورأوها فحصل العلم بها لكل أحد. أو نقول: جنس السفينة حصلت بعد ذلك فما بين الناس فكانت آية للعالمين. وأما تبريد النار فلم يبق من ذلك أثر فلم يظهر لمن بعده إلا بطريق الإيمان به. وهاهنا لطيفة وهي أن الله تعالى جعل النار بردا وسلاما على إبراهيم بسبب اهتدائه في نفسه وهدايته لغيره وقال قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ [الممتحنة: ٤] فحصل للمؤمنين بشارة بأن الله سيجعل النار على المؤمن المهتدي بردا وسلاما. ثم حكى أنه بعد أن خرج من النار عاد إلى النصيحة والدعاء لقومه إلى التوحيد والإخلاص وذلك قوله وَقالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ قال جار الله: من قرأ بالنصب بغير إضافة أو بإضافة فعلى وجهين: أحدهما التعليل أي لتتوددوا بينكم وتتواصلوا لاتفاقكم وائتلافكم على عبادتها كما يتفق الناس على مذهب فيكون بينهم نسبة من ذلك.

الوجه الثاني: أن يكون مفعولا ثانيا على حذف المضاف، أو على أن المصدر بمعنى المفعول أي اتخذتم الأوثان سبب المودة بينكم واتخذتموها مودودة بينكم. ومن قرأ بالرفع بإضافة أو بغير إضافة فعلى وجهين أيضا: أن يكون خبرا لأن على أن ما موصولة والتقدير:

إن التي اتخذتموها أوثانا هي سبب مودة بينكم أو مودودة بينكم. وأن يكون خبر مبتدأ محذوف أي هي مودودة أو سبب مودة وعلى هذا فالوقف على أَوْثاناً حسن كما مر.

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يقوم بين العبدة وكذا بينهم وبين أوثانهم التباغض والتلاعن نظيره كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا [مريم: ٨٢] والتحقيق فيه أنهم غلبت عليهم الجسمية ولذاتها فلهذا ألفوا الأصنام ولم تقبل عقولهم موجودا منزها عن الأجسام وخواصها، فلا جرم إذا رفعت الحجب وكشف الغطاء عن عالم الأرواح زالت نسبة الجسمية وظهرت الآلام الروحانية وعذبوا بنار الخسران والحرمان من غير شفعاء ولا أعوان، فلذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>