ندرة ارتقى إلى دليل السموات والأرض الذي يقع الذهول عنه في كثير من الأحوال لكنه لا يحتاج إلا إلى التفات ذهني، ثم أتبعه دليل الآفاق الذي يتوقف على السير والتحول ليقفوا على أمر أمثالهم. وحكاية أشكالهم ثم ذكر أنهم أولى بالهلاك لأن من تقدمهم كعاد وثمود كانوا أشد منهم قوة جسمانية وأثاروا الأرض حرثوها وهو إشارة إلى القوة المالية. ثم أشار إلى القوة الظهرية التي يستند إليها عند الضعف والفتور وهي الحصون والعمائر بقوله وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها هؤلاء يعني أهل مكة كانوا أهل واد غير ذي زرع ما لهم أثارة أرض أصلا ولا عمارة لها رأسا، ففيه نوع تهكم بهم. قال أهل البرهان: إنما قال في هذه السورة وفي آخر «فاطر» وفي «المؤمن» أَوَلَمْ يَسِيرُوا بالواو وفي غيرهن أفلم بالفاء لأن ما قبلها في هذه السورة أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا وما بعدها وَأَثارُوا بالواو فوافق ما قبلها وما بعدها. وكذا في «فاطر» ما قبله وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا وما بعده وَما كانَ [الآية: ٤٣، ٤٤] وفي «المؤمن» ما قبله وَالَّذِينَ يَدْعُونَ وأما في آخر «المؤمن» فما قبله أَيَّ آياتِ اللَّهِ
وما بعده فَما أَغْنى عَنْهُمْ [الآية: ٨٢] وكلاهما بالفاء. قوله في هذه السورة مِنْ قَبْلِهِمْ متصل بكون آخر مضمر. وقوله كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وكذا معطوفاه إخبار عما كانوا عليه قبل الإهلاك. وإنما قال في «فاطر» وَكانُوا بزيادة الواو لأن التقدير فينظروا كيف أهلكوا وكانوا أشد، وخصت السورة به لقوله وَما كانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ [فاطر: ٤٤] وقال في «المؤمن» كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ فأظهر «كان» وزاد لفظه «هم» لأن الآية وقعت في أوائل قصة موسى وهي تتم في ثلاثين آية، فكان اللائق به البسط دون الوجازة ولم يبسط هذا البسط في آخر السورة اكتفاء بالأول والله أعلم. وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ بوضع الأنفس الشريفة في موضع خسيس هو عبادة الأصنام. قال أهل السنة: هذا الوضع كان بمشيئة الله وإرادته لكنه صدر عنهم فأضيف إليهم والسوأى تأنيث الأسوإ وهو الأقبح وهي خبر «كان» فيمن قرأ عاقِبَةَ بالرفع واسم «كان» فيمن قرأ عاقِبَةَ بالنصب. و «ثم» لتفاوت الرتبة، وفي التركيب وضع للمظهر موضع المضمر. والمعنى أنهم أهلكوا ثم كانت عاقبتهم السوأى وهي عذاب النار. وأَنْ كَذَّبُوا المعنى لأن «أو» بأن كذبوا أو هو تفسير أساؤا على أن الإساءة في
معنى القول نحو: نادى وكتب معناه أي كذبوا وجوز جار الله أن يكون السوأى مفعول أَساؤُا وأَنْ كَذَّبُوا عطف بيان لها، وخبر «كان» محذوف إرادة الإبهام ليذهب الوهم كل مذهب فيكون تقدير الكلام. ثم كان عاقبة الذين اقترفوا الخطيئة التي هي أسوأ الخطايا أن كذبوا كذا وكذا مما لا يكتنه كنهه. قال أهل التحقيق: ذكر الزيادة في حق المحسن في قوله لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَزِيادَةٌ [يوسف: ٢٦] ولم يذكر في الحق المسيء لأن جزاء