للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سيئة سيئة بمثلها، وذكر السبب في العقوبة وهو قوله أَنْ كَذَّبُوا ولم يذكره في الآية ليعلم أن إحسانه لا يتوقف على السبب بل فضله كاف فيه.

وحين ذكر أن عاقبتهم النار وكان في ذلك إشارة إلى الإعادة والحشر لم يتركه دعوى بلا بينة فقال اللَّهُ يَبْدَؤُا يعني من خلق بالقدرة والإرادة لا يعجز عن الرجعة والإعادة. ثم بين ما يكون وقت الرجوع فقال وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ يعني في ذلك اليوم يتبين إفلاسهم ويتحقق إبلاسهم وهو سكوت مع تحير ويأس مع بؤس ويأس لا اليأس الذي هو إحدى الراحتين وذلك إذا كان المرجو أمرا غير ضروري فيستريح الطامع من الانتظار.

ثم ذكر وجه الإبلاس وذلك قوله وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ شُرَكائِهِمْ شُفَعاءُ وَكانُوا بِشُرَكائِهِمْ كافِرِينَ يجحدونها وقتئذ بقوله سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ [مريم: ٨٢] أو وكانوا في الدنيا كافرين بسببهم. ثم حكى أنهم يعني المسلمين والكافرين يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ فريق في الجنة وفريق في السعير تفصيله في الآيتين بعده والروضة عندهم كل أرض ذات نبات وماء. وفي الأمثال «أحسن من بيضة في روضة» يعنون بيضة النعامة وتنكير روضة للتعظيم ومعنى يُحْبَرُونَ يسرون بأنواع المسار لحظة فلحظة. حبره إذا سره سرورا تهلل ببشر. وخصه مجاهد بالتكريم، وقتادة بالتنعيم، وابن كيسان بالتحلية، ووكيع بالسماع.

عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن في الجنة لنهرا حافتاه الأبكار من كل بيضاء رخصة يتغنين بأصوات لم تسمع الخلائق بمثلها قط فذلك أفضل نعيم الجنة» «١»

قال الراوي: سألت أبا الدرداء بم يتغنين؟ قال: بالتسبيح.

وروي أن في الجنة لأشجارا عليها أجراس من فضة، فإذا أراد أهل الجنة السماع بعث الله ريحا من تحت العرش في تلك الأشجار فتحرك تلك الأجراس بأصوات لو سمعها أهل الدنيا لماتوا.

وأما معنى مُحْضَرُونَ لا يغيبون عنه وقد مر في قوله ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ [القصص: ٦١] وإنما أهمل ذكر الفسقة من أهل الإيمان اكتفاء بما ذكر في الآيات الأخر كقوله إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ [النساء:

٤٨] وكقوله إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ إلى قوله تُبْتُ الْآنَ [النساء: ١٧- ١٨] قال جار الله: لما ذكر الوعد والوعيد أتبعه ذكر ما يوصل إلى الوعد وينجي من الوعيد وقال آخرون: لما ذكر عظمته في المبدأ بقوله ما خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما إِلَّا بِالْحَقِّ وفي الانتهاء بقوله وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ وكرر ذكر قيام الساعة للتأكيد والتخويف، أراد أن ينزه نفسه عن كل سوء ويثبت لذاته كل حمد ليعلم أنه منزه عن طاعات المطيعين، محمود على كل ما يوصل


(١) رواه الترمذي في كتاب الجنة باب ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>