كان في مدة أكثر كان حاله أعلى أي يدبر الأمر في زمان يوم منه ألف سنة منه، فكم يكون شهر منه وكم يكون سنة منه وكم يكون دهر منه؟ فلا فرق على هذا بين ألف سنة وبين خمسين ألف سنة كما في «المعارج» . وقيل: إن هذه عبارة عن الشدة واستطالة أهلها إياها كالعادة في استطالة أيام الشدة والحزن واستقصار أيام الراحة والسرور. وخصت السورة بقوله أَلْفَ سَنَةٍ موافقة لما قبله وهو قوله فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وتلك الأيام من جنس هذا اليوم. وخصت سورة المعارج بقوله خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ [الآية: ٤] لأن فيها ذكر القيامة وأهوالها فكان هو اللائق بها. وعن عكرمة: إن اليوم في المعارج عبارة عن أول أيام الدنيا إلى انقضائها وأنها خمسون ألف سنة لا يدري أحدكم كم مضى وكم بقي إلا الله عز وجل.
وبالجملة فالآية المتقدمة تدل على عظمة عالم الخلق وسعة مكانه، والآية الثانية تدل على عظمة عالم الأمر وامتداد زمانه. ثم بين أنه مع غاية عظمة ملكه وملكوته عليم بأمر العالمين فقال ذلِكَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ وفي قوله الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ إشارة إلى صفتي القهر واللطف اللتين ينبغي أن تكونا لكل ملك، وإنما أخر الرَّحِيمُ مع أن رحمته سبقت غضبه ليوصله بقوله الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ نظيره الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ [طه:
٥٠] وقد مر في «طه» . وعطف عليه تخصيصا بعد تعميم خلق الإنسان وهو آدم بدليل قوله ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ أي ذريته لأنها تنسل أي تنفصل، والسلالة الخلاصة كما ذكرنا في أول «المؤمنين» ، وقوله مِنْ ماءٍ بدل من سلالة والمهين الحقير. ومعنى سَوَّاهُ قوّمه وأداره في الأطوار إلى حيث صلح لنفخ الروح فيه، ثم عدل من الغيبة إلى الخطاب في قوله وَجَعَلَ لَكُمُ تنبيها على جسامة نعم هذه الجوارح وتوبيخا على قلة الشكر عليها. ثم بين عدم شكرهم بإنكارهم المعاد بعد مشاهدة الفطرة الأولى وليست الثانية بأصعب منها.
والواو للعطف على ما سبق كأنهم قالوا: إن محمدا مفتر وقالوا: الله ليس بواحد وَقالُوا أَإِذا يعني أنهم وأسلافهم زعموا أن الحشر غير ممكن.
ومعنى ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ غبنا فيها إما بالدفن أو بتفرق الأجزاء وتلاشيها. والعامل في أَإِذا ما يدل عليه قوله أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ وهو نبعث أو يجدد خلقنا. ثم صرح بإثبات كفرهم على الإطلاق واللقاء لقاء الجزاء الشامل لجميع أحوال الآخرة. ثم رد عليهم قولهم بالفوت بأنه يتوفاهم ملك الموت الموكل بقبض الأرواح ثم يرجعون إلى حكم الله وحده. ثم بين ما يكون من حالهم عند الرجوع بقوله وَلَوْ تَرى أنت يا محمد أوكل من له أهلية الخطاب إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ خجلا وندامة قائلين رَبَّنا أَبْصَرْنا ما كنا شاكين في وقوعه وَسَمِعْنا منك تصديق رسلك وجواب «لو» محذوف