للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خمسة لفضلهم وقدم نبينا صلى الله عليه وسلم لأفضليته. وإنما قدم نوحا في قوله شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ [الشورى: ١٣] لأن المقصود هنالك وصف دين الإسلام بالأصالة والاستقامة فكأنه قال: شرع لكم من الدين الأصلي الذي بعث عليه نوح في العهد القديم، ومحمد خاتم الأنبياء في العهد الحديث، وبعث عليه من توسط بينهما من الأنبياء المشاهير. وإنما نسب الدين القديم إلى نوح لا إلى آدم لأن نوحا كان أصلا ثانيا للناس بعد الطوفان، وخلق آدم كان كالعمارة ونبوته كانت إرشادا للأولاد ولهذا لم يكن في زمانه إهلاك قوم ولا تعذيب كما في زمن نوح والله أعلم. قال أهل البيان: أراد بالميثاق الغليظ ذلك الميثاق بعينه أي وأخذنا منهم بذلك الميثاق ميثاقا غليظا أي عظيما وهو مستعار من وصف الأجرام. وقال آخرون: هو سؤالهم عما فعلوا في الإرسال كما قال وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف: ٦] وهذا لأن الملك إذا أرسل رسولا وأمره بشيء وقبله كان ميثاقا فإذا أعلمه بأنه يسأل عن حاله في أفعاله وأقواله يكون تغليظا في الميثاق عليه حتى لا يزيد ولا ينقص في الرسالة، وعلى هذا يحق أن يقال: قوله في سورة النساء وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً [الآية: ٢١] هو الإخبار بأنهم مسؤولون عنهن كما

قال صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» «١»

ثم بين الغاية من إرسال الرسل فقال لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ الآية. وفيه أن عاقبة المكلفين إما حساب وإما عذاب لأن الصادق محاسب والكاذب معاقب كما

قال علي رضي الله عنه: حلالها حساب وحرامها عقاب.

فالصادقون على هذا التفسير هم الذين صدقوا عهدهم يوم الميثاق حين قالوا بَلى في جواب أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ [الأعراف: ١٧٢] ثم أقاموا على ذلك في عالم الشهادة، أو هم المصدقون للأنبياء فإن من قال للصادق صدقت كان صادقا. ووجه آخر وهو أن يراد بهم الأنبياء فيكون كقوله وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [الأعراف: ٦] وكقوله يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ماذا أُجِبْتُمْ [المائدة: ١٠٩] وفائدة مسألة الرسل تبكيت الكافرين كما مر. قال جار الله: قوله وَأَعَدَّ معطوف على أخذنا كأنه قال: أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لأجل إثابة المؤمنين وأعد أو على ما دل ليسأل كأنه قيل: فأثاب للمؤمنين وأعد للكافرين. وفيه وجه آخر عرفته في الوقوف. ثم أكد الأمر بالاتقاء من الله وحده مرة أخرى فقال يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا الآية. وذلك أن في وقعة الأحزاب اشتد الأمر على الأصحاب لاجتماع المشركين بأسرهم واليهود بأجمعهم، فأمنهم الله وهزم عدوهم فينبغي أن لا يخاف العبد غير الله القدير


(١) رواه البخاري في كتاب الجمعة باب ١١. مسلم في كتاب الإمارة حديث ٢٠ أبو داود في كتاب الإمارة باب ١، ١٣. الترمذي في كتاب الجهاد باب ٢٧. أحمد في مسنده (٢/ ٤٥، ٥٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>