للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البصير.

وذكروا في القصة أن قريشا كانت قد أقبلت في عشرة آلاف من أحزاب بني كنانة وأهل تهامة وقائدهم أبو سفيان وقد خرج غطفان في ألف ومن تابعهم من نجد وقائدهم عيينة بن حصن وعامر بن الطفيل في هوازن وضامتهم اليهود من قريظة والنضير. وحين سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة أشار عليه بذلك سلمان الفارسي، ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين فضرب معسكره والخندق بينه وبين القوم، وأمر بالنساء أن يرفعوا في الآطام واشتد الخوف وظن المسلمون كل ظن ونجم النفاق من المنافقين حتى قال معتب بن قشير: كان محمد يعدنا كنوز كسرى وقيصر ولا نقدر أن نذهب إلى الغائط. ومضى على الفريقين قريب من شهر لا حرب بينهم إلا الترامي بالنبل والحجارة حتى أنزل الله النصر،

وذلك بأن أرسل على أولئك الجنود المتحزبة ريح الصبا في ليلة باردة شاتية فسفت التراب في وجوههم وَأرسل جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وهم الملائكة وكانوا ألفا فقلعوا الأوتاد وقطعوا الأطناب وأطفأوا النيران وأكفئوا القدور وتفرقت الخيول وكثرت الملائكة في جوانب عسكرهم وقذف الله في قلوبهم الرعب فانهزموا. ومعنى مِنْ فَوْقِكُمْ من أعلى الوادي من قبل المشرق وهم بنو غطفان وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ من أسفل الوادي من قبل المغرب وهم قريش تحزبوا وقالوا: سنكون جملة واحدة حتى نستأصل محمدا. ومعنى زيغ الأبصار ميلها عن سننها واستوائها حيرة، أو عدولها عن كل شيء الا عن العدو فزعا وروعا. والحنجرة منتهى الحلقوم، وبلوغ القلوب الحناجر إما أن يكون مثلا لاضطراب القلوب وقلقها وإن لم تبلغها في الحقيقة، وإما أن يكون حقيقة لأن القلب عند الخوف يجتمع فيتقلص ويلتصق بالحنجرة وقد يفضي إلى أن يسد مخرج النفس فيموت وإنما جمع الظنون مع أن الظن مصدر لأن المراد أنواع مختلفة، فظن المؤمنون الابتلاء والفتنة فخافوا الزلل وضعف الاحتمال، وظن المنافقون وضعاف اليقين الذين في قلوبهم مرض وهم على حرف ما حكى الله عنهم وهو قوله ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً كما حكينا عن معتب.

ومن فوائد جمع الظن أن يعلم قطعا أن فيهم من أخطأ الظن فإن الظنون المختلفة لا تكون كلها صادقة. فأما أن تكون كلها كاذبة أو بعضها فقط والمقام مقام تقرير نتائج الخوف.

وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ كعبد الله بن أبي وأصحابه ويثرب اسم المدينة أو أرض وقعت المدينة في ناحية منها لا مُقامَ لَكُمْ أي لاقرار لكم ولا مكان هاهنا تقومون أو تقيمون فيه على القراءتين، فارجعوا إلى المدينة واهربوا من عسكر رسول الله، أو ارجعوا كفارا واتركوا دين محمد وإلا فليست لكم يثرب بمكان، ثم إن السامعين عزموا على الرجوع فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم وتعللوا بأن بيوتنا عورة أي ذات خلل لا يأمن أصحابها بها السراق على

<<  <  ج: ص:  >  >>