إيذائه أو نكاح أزواجه بعده فالله عالم بكل شيء فيجازيهم بحسب ذلك. ثم إنه لما أنزل الحجاب استثنى المحارم بقوله لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ أي لا إثم عليهن في ترك الاحتجاب من هؤلاء. قال في التفسير الكبير عند الحجاب: لما أمر الله الرجل بالسؤال من وراء الحجاب فيفهم كون المرأة محجوبة عن الرجل بالطريق الأولى، وعند الاستثناء قال لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فرفع الحجاب عنهن فالرجال أولى بذلك. وقدم الآباء لأن اطلاعهم على بناتهم أكثر فقد رأوهن في حالة الصغر، ثم الأبناء ثم الأخوة، وقدم بني الإخوة لأن بني الأخوات آباؤهم ليسوا بمحارم إنما هم أزواج خالات أبنائهم فقد يصف الابن خالته عند أبيه ففي ذلك نوع مفسدة فأوجبت التأخر عن رتبة المحرمية، ولم يذكر العم والخال لأنهما يجريان مجرى الوالدين، أو لأنهما قد يصفان لأبنائهما وأبناؤهما غير محارم. وقد يستدل بقوله وَلا نِسائِهِنَّ مضافة إلى المؤمنات أنه لا يجوز التكشف للكافرات في وجه، وأخر المماليك لأن محرميتهم كالأمر الضروري وإلا فالمفسدة في التكشف لهم ظاهرة ولهذا عقبه بقوله وَاتَّقِينَ فإن التكشف لهم مشروط بشرط سلامة العاقبة والأمن من الفتنة. ومنهم من قال: المراد من كان منهم دون البلوغ. قال جار الله: في نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب في قوله وَاتَّقِينَ فضل تشديد وبعث على سلوك طريقة التقوى فيما أمرن به من الاحتجاب كأنه قيل: وليكن عملكن في الحجب أحسن مما كان وأتقن غير محتجبات ليفضل سركن علنكن. ثم أكد الكل بقوله إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً وفيه أنه لا يتفاوت في علمه ظاهر الحجاب وباطنه. ثم كمل بيان حرمة النبي بأنه محترم في الملأ الأعلى فليكن واجب الاحترام في الملأ الأدنى، وقد مر معنى الصلاة في السورة. وإنما قال هناك هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ وقال هاهنا إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ ليلزم منه تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم:
وذلك لأن إفراد الواحد بالذكر وعطف الغير عليه يوجب تفضيلا للمذكور على المعطوف، فكأنه سبحانه شرف الملائكة بضمهم مع نفسه بواسطة صلاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم. واستدل الشافعي: بقوله صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا وظاهر الأمر للوجوب أن الصلاة في التشهد واجبة وكذا التسليم لأنه لا يجب بالاتفاق في غير الصلاة فيجب فيها. وذكر المصدر للتأكيد ليكمل السلام عليه وهو قول المصلي: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته. ولم يؤكد الصلاة هذا التأكيد لأنها كانت مؤكدة بقوله إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ
وسئل النبي كيف نصلي عليك يا رسول الله؟ فقال: قولوا اللهم صل على محمد وآل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك