للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويجوز أن يريدوا أنهما ضرب واحد لأنهما معا من طعام أهل التلذذ والترفه، ونحن أهل زراعة ما نريد إلا ما ألفناه. ومعنى يخرج لنا يوجد ويظهر. والبقل ما أنبتته الأرض من الخضر كالنعناع والكرفس والكراث وغير ذلك من أطايب البقول التي يأكلها الناس عادة. والقثاء الخيار، والفوم الثوم، ويدل عليه قراءة عبد الله وثومها وهو بالعدس والبصل أوفق.

وقال بعضهم: الفوم الحمص لغة شامية، ويقال: هو الحنطة. ومنه قولهم «فوّموا لنا» أي اختبزوا. قال الفراء: هي لغة قديمة الَّذِي هُوَ أَدْنى أي أقرب منزلة وأدون مقدارا كقولهم في ضده «هو بعيد المحل وبعيد الهمة» يعنون الرفعة والعلو اهْبِطُوا مِصْراً أي انحدروا إليه من التيه. يقال: هبط الوادي إذا نزل به، وهبط منه إذا خرج. وبلاد التيه ما بين بيت المقدس إلى قنسرين اثنا عشر فرسخا في ثمانية. ومصر إما مصر فرعون، والتنوين فيه في القراآت المعتبرة مع أن فيه العلمية والتأنيث لسكون وسطه كما في نوح ولوط، وفيهما العلمية والعجمية. وإما مصر من الأمصار كأنه قيل لهم: ادخلوا بلدا أيّ بلد كان لتحدوا فيه هذه الأشياء. ولما ذكر الله سبحانه صنوف نعمه على بني إسرائيل إجمالا ثم تفصيلا، أراد أن يبين مآل حالهم ليكون عبرة للنظار وتبصرة لأولي الأبصار وتحذيرا للإنسان عن الجحود والكفران المستتبعين للخزي والهوان فقال وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ أي جعلت محيطة بهم مشتملة عليهم كالقبة المضروبة على الشخص، أو ألصقت بهم حتى لزمتهم ضربة لازب كما يضرب الطين على الحائط فيلصق به. فاليهود صاغرون أذلاء أهل مسكنة ومدقعة، إما على الحقيقة وإما لتصاغرهم وتفاقرهم خيفة أن تضاعف عليهم الجزية. وهذا من جملة الأخبار عن الغيب الدال على كون القرآن وحيا نازلا من السماء على محمد صلى الله عليه وسلم.

هذا حالهم في الدنيا، وأما حالهم في العقبى فذلك قوله وَباؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ من قولك «باء فلان بفلان» إذا كان حقيقا بأن يقتل به لمساواته له ومكافأته، أي صاروا أحقاء بغضبه وهو إرادة انتقامه ذلِكَ الذي ذكر من ضرب الذلة والمسكنة والخلاقة بالغضب، بسبب كفرهم بآيات الله أي القرآن، بل وبالتوراة لأن الكفر به مستلزم للكفر بها، وقتلهم الأنبياء، وقد قتلت اليهود- لعنوا- شعيبا وزكريا ويحيى وغيرهم بغير الحق أي من غير ما شبهة عندهم توجب استحقاق القتل. فإن الآتي بالباطل قد يكون اعتقده حقا لشبهة عنت له، وقد يأتي به مع علمه بكونه باطلا. ولا شك أن الثاني أقبح وأدخل في القحة، أو كرر للتأكيد نحو وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ [المؤمنون: ١١٧] ومحال أن يكون لمدعي الإله الثاني برهان. والنبيء بالهمزة «فعيل» بمعنى فاعل من نبأ بالتخفيف أي أخبر لأنه نبأ عن الله تعالى. قال سيبويه: ليس أحد من العرب إلا ويقول تنبأ مسيلمة بالهمز، غير أنهم

<<  <  ج: ص:  >  >>